ثقافةصحيفة البعث

“المرأة خلف فنانة الوشم”.. فيلم فلبيني بتقاطعات إنسانية واجتماعية

لم يكن شعار المهرجان السينمائي الدولي للمرأة “المرأة تصنع التغيير” شعاراً براقاً رناناً، بل عبّر فعلياً عن تكيف المرأة مع واقعها وعملها على تجاوز كل الصعوبات والعراقيل التي تقف في طريقها، وهذا المضمون المشترك بين الأفلام المشاركة من قارات مختلفة من الفلبين والهند والباكستان وتشيلي وبيلاروسيا وجنوب إفريقيا وأندونيسيا والأرجنتين وفنزويلا البوليفارية وفلسطين وغيرها من الدول، ما يدل على أن مهرجان المرأة السينمائي الدولي الذي أقيم في دار الأوبرا على مدى أربعة أيام، كسر جزءاً من الحصار على سورية، التي أثبتت أنها أقوى من الحصار والإرهاب.

وقد اتخذت الأفلام طابع التوثيق واللقاءات التسجيلية في جانب منها، في تكامل مع المنحى الروائي الأوسع لمضامين تسرد بالصورة معاناة المرأة من مسألة حياتية وقدرتها على التغيير، مثل الفيلم الفلسطيني “رياديات قادرات” – وزارة  شؤون المرأة – “في عصر الامتداد العمراني وبقلة المساحات مضطرة أن أختار ريادة، بحيث أنتج بشكل أوسع وبمساحات أقل” وبتواز مع صمود المرأة بالحرب وتمكنها من أن تكون شريكاً حقيقياً للرجل ودورها بالمقاومة ومعاناتها آلام الفقد بالشهادة، مثل فيلم “مريم” السوري للمخرج باسل الخطيب “في الحرب كل الطرقات تؤدي إلى جهنم”، إضافة إلى الشغف الذي تحمله المرأة بقلبها بهواية أو حرفة ما، وتجعلها محور حياتها مثل فيلم “كيف تركض أليسا”.

 سورية والفلبين 

وفيلم “المرأة خلف فنانة الوشم” من الفلبين، والذي تم اختياره ليكون فيلم الافتتاح، لما يتميز به من حسّ إنساني بتوقيع المخرج لورين سفيليا فوستينو، يتخذ طابع التوثيق للحياة الدائرة في أحد مجتمعات الفلبين الفقيرة، من خلال حياة امرأة مسنة، هي فنانة الوشم. وقد عمل المخرج على المضي بمسارين، فعبّر السرد الحكائي للمرأة يكشف ويوثق بفنية غير مباشرة مسائل اجتماعية ما زالت موجودة حتى الآن، وإن ضاقت مساحتها بالمجتمعات العربية، حتى الوشم هو جزء من التراث الإنساني الموجود في بعض الدول، ويتقاطع مع التراث السوري، فالوشم يعد جزءاً من تراث بعض المناطق والبيئات في سورية، وهو مألوف ومتبع بالرسم على الأيدي والوجوه، وفيلم “امرأة خلف فنانة الوشم” كان جسر تواصل يحمل تقاطعات إنسانية بين بعض الشعوب وخاصة بين سورية والفلبين.

الفكرة الأساسية هي الظلم الذي يقع على الأنثى نتيجة التقاليد المتبعة والمتوارثة في المجتمع، وفي النهاية هي وحدها تدفع الثمن، وكما قالت بطلة الفيلم: “لو كان لدي زوج أو ابن لم أشعر أنني سأموت قريباً”. ومن خلال الكاميرا التي تصوّر معالم وجهها والأخاديد التي حفرها الزمن، يستعرض المخرج الصورة الأكبر لواقع المنازل الخشبية الفقيرة، والحياة البسيطة التي يعيشها الكبار والأطفال، وجدول المياه المنساب حول المنزل، والدرج الطويل، وحبائل الغسيل، والأواني الفخارية، ويتطرق إلى بعض الطقوس مثل ترديد الترانيم الاجتماعية بمزمور خاص لكبار السن، والرقص (لنذهب نتناول الطعام ثم لنرقص مع الأجراس)، وحلبة الرقص والدبكة الدائرية ومصارعة الكلاب وصوت الديك. كما يركز على الطبيعة الهادئة والأمطار الصيفية والزهرة الصفراء بدلالة رمزية إلى خريف العمر، بتأثير الإضاءة الطبيعية والموسيقا الهادئة حيناً والإيقاعية حيناً آخر كخلفية للفيلم.

 الأرز والوشم 

يبدأ الفيلم من الحديث المباشر مع فانغ اود فنانة الوشم التي تستخدم الأساليب البدائية بالوشم باللون الأسود من خلال العصا الدقيقة والإبرة المثبتة برأسها، وتعتمد على الطرق على الجلد لرسم الوشم على الجسد والأيدي والوجه، وتمضي بسرد حكايتها بالحديث عن الوشم الذي يعد نوعاً من زينة المرأة، أو نوعاً من الموروث (المرأة التي لا وشم لها لا تنسجم مع الرجل)، الوشم الذي اشتُهرت به، وأصبح عملها، وكل حياتها، وتعلمته بناء على رغبة والدها ليصبح مهنة تعيش منها مع عائلتها الفقيرة كون والدها لا يملك حقلاً للأرز، ثم توضح مراحل وخصوصية هذا الفنّ، والمؤلم أنها بدأت تشعر بآلام في يديها لاسيما حينما تمارس عملية الوشم.

ثم تعود إلى حياتها الماضية وسنوات شبابها متوقفة عند عدم زواجها لأنها أحبت رجلاً من منطقة مختلفة عن منطقتها، وعدّه والدها دخيلاً على بيئتهم، وهذا مرفوض اجتماعياً وغير مقبول، أما الآن فتشير إلى أنه يمكن الزواج من أية منطقة دلالة على التطور الاجتماعي. وتطرقت إلى الحديث عن الشباب ومشاكلهم وعدم قدرتهم على الصبر فيغادرون. أما المنعطف بالفيلم فكان دخول شخصية غريس الشابة التي قررت أن تتعلم منها الوشم لتأخذ مكانها بعد رحيلها.

 الموت والوشم

وينتهي الفيلم بحزن حينما يسألها المخرج: ماذا لو فقدت بصرك ولم تعودي قادرة على ممارسة عملك بالوشم؟ فتجيب: “سأشنق نفسي وأموت”، كما ينتهي باعترافات رومانسية ودموع هائمة في أعين فانغ حينما تتذكر خطيبها ناناو، حينما قال لها: “إذا كنّا سنفترق فلتقرئي اسمي دوماً”، ووشم اسمه على ذراعها، لتحمل النهاية جملتها المؤثرة: “عندما تموت ستأخذ الوشم معك”.

ملده شويكاني