مهرجان الشعر في طرطوس.. صيغة من صيغ المقاومة وإصرار على الحياة
أقام المركز الثقافي العربي في طرطوس مهرجان الشعر السنوي، ألقيت خلاله مجموعة من القصائد الوطنية والإنسانية قدمتها مجموعة من شعراء سورية بحضور الرفيق غسان أسعد أمين فرع طرطوس للحزب وصفوان أبو سعدى محافظ طرطوس وأعضاء قيادة الفرع وفعاليات رسمية وشعبية.
وقال أبو سعدى في كلمة له : من حقنا أن نحتفل وننشد الشعر رغم السواد حولنا والوحوش التي تكالبت علينا وسننشد القصائد من أجل الوطن والحياة، من أجل سورية العظيمة بشعبها وجيشها وقائدها المصانة بعزم رجالها، المحمية بدم شهدائها.
ورأت ليندا إبراهيم مديرة الثقافة إلى أن الشاعر الحق هو الذي يسير خلف الكلمة لكي يجعلها تشتعل وتنتفض ضد الشعر الهزيل، ليكون الشعر مقاومة سلمية بلا نهاية مساهماً في بناء الحياة، وأن الشعر السوري هو الشعر النابض بالحياة المتحدث باسم الوجدان الإنساني ومهرجان الشعر الآن ينطلق إصراراً منا على الحياة لأننا نستحقها.
وأشار الشاعر غسان حنا أحد المشاركين في المهرجان إلى أن حضور الشعر يعد دعامة في الوجود الإنساني المفتوح على المطلق، والشعر السوري سباق دائماً عبر شعراء اكتسبوا صفة العالمية وانتزعوا الاحترام اللائق في كل المساهمات والمناهج التي اختاروها، مبينا أن الشعر السوري اليوم هو البندقية الثقافية البالغة التأثير في وجدان الحضارة الإنسانية لبلد يحمل جوهر هذه الحضارة، ولايمكن أن يهزم في أي معركة مهما عظم شأنها وتعددت قوى الشر والعدوان فيها، موضحاً أن مشاركته تأكيد على مسؤولية الشعر بعامة ومسؤوليته بخاصة في إغناء المشهد الشعري في بلدنا الحبيب، فالشاعر روح الوطن، وصوته، وحامل رايته الحضارية، وكان الشاعر قدم قصيدتين بعنوان (طريق الجلجلة، الأم).
وشارك الشاعر ممدوح سليم بقصيدة (رسالة إلى أبي العلاء المعري) وهي مقارنة بين الماضي والعصر الحالي، تطرق فيها إلى أفكار وآراء أبي العلاء والمذهب الزهدي عنده والاعتداء الذي تعرض له ضريح الشاعر، وبيّن الشاعر أنه من خلال هذه المهرجانات يقدم الشاعر تجربته للناس، ويساهم من خلالها في تغيير الواقع، مؤكداً أن على الثقافة أن تلعب دوراً كبيراً في تنوير العقول حول ما يحصل من إرهاب ومحاولة أداء دور فاعل في المجتمع.
ولفت الشاعر عيسى حبيب أن هذا الواقع المر أكبر من قدرتنا على الكتابة لأن الشاعر يتناول الواقع ويصعّده فإذا كان الواقع قاسياً جداً لا يستطيع أن يصعّده، وهنا حملت مقطوعات (وطن) التي شارك بها الشاعر لوحة تحكي العلاقة بين موال العتابا والميجنا كموروث شعبي في تصوير الطبيعة كيف التقت، في حين تحكي قصيدة (المجد العالي) قصة طفل تسلق شجرة حور عصفت بها الريح، خاف الأطفال ونادوا عليه انزل بسرعة فقال لهم هذا حال المجد العالي ووطني مجده عالٍ.. وأكد حبيب أن للمهرجان دوراً في المحافظة على استمرار لقاءات الشعراء وهذه اللقاءات تعني لقاء المواقف والمشاعر والآراء، كما ويعبر عن استمرار الوجدان في مواجهة المحن.
وأشارت الشاعرة مناة الخير أن المهرجان يمثل محاولة لإيقاظ آذار شهر الربيع والفرح والانبعاث، وهو مناسبة للالتقاء والقراءة ليعود للكلمة بريقها وتألقها وكأنها تنبعث من العدم، وشاركت الشاعرة بعدة قصائد عن الوطن والأم والشهيد.
وبين الشاعر غسان ونوس أن الواقع الذي نعيش مر ولاسيما مع الكثير من الفقد والخسران والخيبات مع أن هناك من يقاوم بشرف ويضحي بكبرياء، ومن الطبيعي أن يكون الأدب حاضراً أو مواكباً، موضحاً أن الشعر لا يقول ما يحدث ويوصف فقط، بل أهميته تأتي من أنه يلملم المرارات والدمعات ويستشعر الغصات ليصوغها في نصوص للبوح والعتب والتوجع، عسى أن تصل إشارته إلى المتلقين فتغدو المشاركة أكثر حيوية والنتاجات ذات قيمة أكبر، من هنا تأتي أهمية المشاركة مع شعراء في مناسبات أدبية لا تخص يوم الشعر ولا أية مناسبة أخرى بقدر ما تخص الإنسان كائناً معذباً تواقاً إلى الخلاص الآمن، ولايمكن أن يكون حيث يكون الإحساس وحيث يكون الأسى، فالإبداع أصله حزين، ومتونه آلام، ومدياته شكوى وأمل، و كانت مشاركته بقصيدتين (مكمن الأسرار) و(حداءات).
وشارك الشاعر صالح سلمان بقصيدتين حول الحياة بصورة عامة، مشيرا إلى أن الشعر هو صوت الروح في مواجهة ما يجري، وهنا يكون الأدب انعكاساً للواقع، لكن انعكاس الواقع في ذات الشعر يختلف من شاعر إلى شاعر.
وقال الشاعر مصطفى صمودي إن الشعر التفافة بناء فوقي يعكس كثيرا من ملامح البناء التحتي، مبيناً أن الشعر هو ديوان العرب وإن لم يتحدث الشاعر عن ماضيه ومستقبله من خلال راهنه فالأولى ألا يكون، وشارك صمودي بمعلقة معاصرة (على صدر دمشق) ومقطع زجلي.
كما شاركت الشاعرة انتصار سليمان بقصيدة (توت شامي) تحدثت فيها عن جمالية سورية ببشرها وحجرها وحضارتها وتاريخها، وهذه العوامل التي تسمح لنا أن نقول بأننا في وقفتنا وصمودنا نعرّي الكون من ورقة التوت التي يسترون عريهم بها، هي صرخة في وجه العالم لنقول بأننا صامدون وسننتصر بإيماننا المطلق بعدالة قضيتنا ووحدة الشعب والأرض، وأشارت سليمان إلى أن لقاء الألوان الشعرية السورية من كافة المحافظات وتأثير هذه الأزمة عليهم وكيف تم علاجها من قبل كل شاعر، كل ذلك وقفة مع سورية لنقول إن هذه الحياة مستمرة بالكلمة لأن الكلمة مقاومة للظلمة والظلام.
وتخلل المهرجان حفل موسيقي للفنانة بادية الحسن قدمت خلاله مجموعة من الأغاني الوطنية والطربية، وقدم الأديب مالك صقور عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب كلمة عن الشاعر المكرم ومواقفه الوطنية والمقاومة وشعره، ثم كرّم الشاعر الفلسطيني الكبير خالد أبو خالد تقديرا لمسيرته النضالية الحافلة، وأشار أبو خالد أن هذا التكريم أهم من كل الجوائز لأنه يعني أن الشاعر أصبح جزءا من الوجدان الثقافي العام، مؤكدا أن المهرجان هو صيغة من صيغ المقاومة لحالة الغزو التي تقاتل سورية ضدها، ويشكل رافعة ثقافية مهمة في المواجهة التي تخوضها سورية على المستوى القتالي المقاوم، والثقافي والإعلامي والنفسي. وكان الشاعر قد ألقى مقطعاً من قصيدة طويلة بعنوان (من كتاب الشآم) تحدثت حول الحالة الراهنة التي تعيشها سورية، واختتم المهرجان بحفل موسيقي لفرقة (أيام زمان) للفنان أحمد عبد الحميد.
طرطوس – رشا سليمان