يا مـــو..
بشرى الحكيم
يعلم عدونا تماماً أهمية” الثقافة” كقوة داعمة لقوة السلاح ولهذا فهو يبحث دوماً عن استخدامها لخدمة مصالحه، ففي مرحلة ما عمدت إسرائيل إلى محاولة إدراج أشعار محمود درويش في مناهجها الدراسية لولا معارضة بعض أعضاء الكنيست اليهودي، لكنهم بالرغم من ذلك فهم يتناولون أشعاره وآخرين سواه في منتدياتهم، يقرؤونها بلغتهم، في محاولة لإعطائها صبغة عبرية.
ليس غريباً على من وضعت يدها على الأرض أن تلجأ إلى محاولات امتلاك ثقافة أصحابها وتراثهم، فتلجأ إلى تسجيل الكثير من هذا التراث باسمها في اليونيسكو عدا عن السرقة الفعلية للآثار السورية والعراقية عبر الجولان المحتل؟.
وفي وقت ليس ببعيد، ضجت الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي بخبر عملية سطو من قبل فرقة إسرائيلية على مجموعة من أغاني السيدة فيروز، فقدمت بعضها بالعربية ولجأت إلى أداء بعضها الآخر مترجماً إلى العبرية تحت عنوان “فيروز تغني بالعبري”، والحالة السابقة ليست الوحيدة، فقد سبقتها محاولات عديدة للاستيلاء على بعض أغاني أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش.
هذا في الغناء والألحان، أما في الفلكلور فإنها لجأت خلال العقود السابقة إلى تسجيل بعض من الأزياء الشعبية باسمها في المنظمة الدولية، فثوب “عروس بيت لحم” المعروف بجماله وتميزه بات جزءاً من تراثها، بينما لجأت شركة طيرانها إلى تصميم الزي الخاص بموظفيها مستوحى من الزي الفلاحي الفلسطيني، كما أن اثنين من مصمميها أعادا تصميم الكوفية بألوان العلم الإسرائيلي مزيناً بنجمة داوود.
ليس عبثاً ما تحاوله إسرائيل، فهو كما يبدو يستند إلى مقولة بن غوريون: “الكبار يموتون والصغار ينسون”، أي إنه إفراغ الذاكرة من مخزونها الثقافي، بدءاً من الذاكرة الفلسطينية، وصولاً إلى الذاكرة العالمية التي أصابها الخرف، ومن يسرق الأوطان لا ضير عنده من سرقة التراث، وهو يأتي في سياق محاولاتها الدائمة خلق أدلة تقدمها للعالم المغمض العينين تثبت أن لها جذوراً وتاريخاً راسخاً في الجغرافيا التي رسمت عليها حدود دولتها الموعودة.
ويبدو أن إفراغ الذاكرة يمارس علينا من عدو آخر تصح عليه تسمية يهود الداخل، وإلّا فما المغزى من دبلجة الأعمال الدرامية التركية وسواها بما تحمل من أفكار وثقافات في طياتها الكثير من السموم، ولِم الإصرار على سبيل المثال، أن تروج إحدى المحطات العربية لعيد الأم من خلال أغنية الفنان دريد لحام” يا مو” على خلفية من المشاهد الدرامية التركية.
قد يقول قائل: إنها قضايا تافهة؛ لكن ولأن صراعنا مع العدو صراع وجود لا صراع حدود فقط، فكل القضايا تتطلب المواجهة والقتال للفوز فيها.