ثقافة

صور توثيقية تحكي عن تاريخ دمشق العمراني في “أبو رمانة “

جميل أن تجعلنا الإطارات نعيش جمالية اللحظة المعاشة في زمان ومكان ما ،وفي معرض الفنان عصام النوري  للتصوير الضوئي في المركز الثقافي العربي (أبو رمانة) نتأمل أجواء أكثر من مئة لوحة لصور فوتوغرافية التُقطت لمعالم دمشق وأوابدها وأطرافها في القرنين التاسع عشر والعشرين ،بعدسة الكاميرا البدائية البسيطة التي تعكس مهارة الفنان في تحديد درجة الإضاءة واختيار الزوايا بعيداً عن التقنيات الحديثة (الفوتوشوب والغرافيك) ،وغدت وثيقةً تاريخية لطبيعة الحياة وطرازها المعماري في ذاك الزمن وشاهداً على التبدلات والتغيرات التي طرأت على معالم اندثرت بفعل عوامل الزمن أو رُدمت وبقيت معالمها للذكرى ،والأمر اللافت المساحات الواسعة والفضاءات التي كانت موجودة في بعض الأماكن مثل صور شارع بغداد إذ كانت توجد على أطرافه ممرات للمشاة محاطة بالأشجار وعلى جانبيه حدائق وملاعب رياضية ،وساحة السبع بحرات التي كان فيها سبع بحرات أصبحت الآن بحرة كبيرة ،وساحة المرجة التي كانت تزدان بفندق فيكتوريا الذي رُدم وبُني فوقه ،وكان فيها أيضاً بناء البلدية الرسمي الذي بُني بطراز معماري رائع ورُدم وبُني فوقه ،ضم المعرض أيضاً صوراً لباب الجابية وأزقة باب شرقي وباب توما وسوق ساروجة وحي الأمين وأسوار دمشق مثل السور الآرامي ،وخصص الفنان مساحة لحارات دمشق وأبنيتها من الخارج ،ولوحات عرضت صوراً لأجزاء من البناء على غرار تقنية الجزء من الكل مثل صور البحرة والمشرقة والليوان والنوافذ والأبواب  وفناء الدار على غرار كثير من الفنانين التشكيليين الذين رسموا دمشق القديمة. إضافة إلى صور كثيرة لأجزاء المسجد الأموي الذي تعرض عبْر عقود من الزمن إلى زلازل وحرائق وتحوّل من معبد يهودي جوبتير إلى كنيسة ثم إلى جامع ،وزاد من جمالية المعرض الصور التي التُقطت لأطراف دمشق من طبيعة الغوطة ونهر بردى الذي كان يخترق شوارع دمشق والقطار الذي يمضي بين الحقول الخضراء،وبطريقة غير مباشرة تتضح معالم الحياة مثل سكة القطار في محطة الحجاز الذي كان وسيلة نقل أساسية والباصات القديمة في شوارعها ،وفي بعض الصور يظهر أشخاص تعبّر ثيابهم عن خصوصية الزيّ في ذاك الزمن ،لكن المعرض بمجمله ركز على فنّ العمارة بالدرجة الأولى .والشيء الجديد الذي أضافه الفنان بعض الصور الموجودة ضمن الأوراق الصفراء للمجلات والكتب القديمة.
يقول الفنان النوري عن خصوصية المعرض الذي يتخذ سمة التوثيق :إنه في كل زمن كان الإنسان يخلّد وجوده بطريقة ما فالإنسان الأول نحت على الصخور ورسم على جدران الكهوف ،ثم جاءت المطبعة إلى أن ظهرت الكاميرا فوثّقت بعدستها معالم الحياة.
ويتابع حديثه عن كيفية حصوله على الصور ويعود الفضل الأكبر إلى العائلة الفرنسية “بونيفيس”التي أحبت دمشق وصوّرت قسماً كبيراً من الصور، إضافة إلى تقصيه بشغف تلك الصور من الكتب القديمة والمجلات ،ثم عمل على تكبيرها والاحتفاظ بها ،وتوجد بعض الصور التي صوّرها بكاميرته الخاصة.
والأمر الهام الذي اقترحه النوري هو العمل على ترميم الآثار المتبقية والحفاظ على الأبنية القديمة ،وشكر الجهود التي بذلتها الدولة في مشروع الترميم كترميم بناء مجلس الوزراء القديم على ضفة بردى القبلية ،واقترح أيضاً الحفاظ على جمالية الأبنية القديمة ببناء سور حولها ورفع أعمدة تشاد عليها الأبنية على غرار ما شاهده في دول أوروبية ،كما أشاد بالجهود التي قدمها د.قتيبة الشهابي لتوثيق معالم دمشق وأوابدها.
ملده شويكاني