وطن يستحق أن يحيا
بشرى الحكيم
في صالة سينما الكندي عُرض أول أمس فيلم ريمون بطرس “أطويل طريقنا أم يطول” وفي كلمته الافتتاحية قال المخرج السوري حتى العظم، أن ما دفعه لتقديم هذا العمل القصير عبارة صغيرة ترددت عبر الأزمنة، منذ آلاف السنين وستبقى تتردد لآلاف أخرى عبر أزمنة الأجيال القادمة:”تحيا سورية”.
المخرج الذي عمل في السينما السورية لسنوات طويلة وقدم لجمهورها أفلاماً هامة ابتدأها بمحاولةٍ لفضح وتشريح الصهيونية في فيلمه”صهيونية عادية” ثم قدم”نشيد البقاء” وأفلاماً روائية عديدة أبرزها”الطحالب” الذي رصد فيه المجتمع الحموي، مثلما أدخلنا إلى تفاصيل الحياة اليومية في المجتمع الدمشقي في”حسيبة” وسواها الكثير كان آخرها فيلم”ملامح دمشقية” في العام 2005… وبالأمس قدم لنا بطرس رسالة قصيرة في فيلمه القصير يرصد حالة العائلات السورية في ظل سنوات الأزمة، والتي تركت آثارها على كل فرد من أفرادها وكل زاوية من زواياها.
بالمقابل وعلى شاشة التلفزيون في المنزل توالت مشاهد السفن في المتوسط تَغرق وتُغرق معها المئات من السوريين كباراً وصغاراً مع أحلامهم وآمالهم التي عقدوها لمجرد مغادرتهم الوطن بينما هو بأمس الحاجة إليهم.
لندع الفيلم كعمل درامي فني للنقاد والمختصين يتناولوه بالتحليل والتصويب، ولنقرأ منه الرسالة التي قدمها عندما قال أنه وبالرغم من أنه يفخر بكونه ابن حماه مدينة النواعير إلا أنه وكما قال في واحد من حواراته الصحفية:”أحاول أن أقرأ ما يجري في بلادنا بعين شخص سوري حتى العظم فأنا سوري قبل أن أكون عربيا أو مسيحيا أو اشتراكيا علمانيا.. انتمائي الأول هو لسورية التي تمثل ثمانية ألاف عام من الحضارة وأقول في قراءتي للواقع السوري الآن إن سورية بكل عظمتها التاريخية موجودة قبل وجود الديانات على الأرض، قبل السياسة وموجودة منذ حضارة ماري وايبلا واوغاريت وعمريت وبصرى”. لنتلقف تلك الرسالة بأن “تحيا سورية” هذا الوطن الموجود ما قبل الأزمنة وقبل الصراعات وقبل الأحزاب، هذه الأرض التي منحتنا هويتنا الخاصة وكونت شخصيتنا الفريدة، سورية الانتماء والوجدان والقيم، هذه الـ “سورية” لنا جميعاً نحن وأنتم، جميعنا الذين نؤمن أنها يجب أن تكون قبل كل شيء، وأن مصلحتها قبل كل مصلحة، فهنا نشأت أديان وغابت أخرى، هنا أصول وأعراق متجذرة، هنا ولدت حضارات منها ما غاب ومنها ما بقي وتطور، حضارات تصادمت وتمازجت لتنتج إنساننا الفريد، هذه الـ”سورية” تستحق أن نرفع الصوت بأن تحيا عبر الزمان، وأن نحضنها اليوم أكثر من قبل، نبلسم جراحها فهي ضمانة غدنا القادم، إن كل مكان فيها لنا معبد وكل منّا عندها مقدّس، وطننا يستحق أن يحيا، ويستحقنا أبناء حياة يصبرون على المكاره، لأننا غداً أو بعد غد سنكون مُلاقون أعظم انتصار لأعظم صبر عبر التاريخ”.