ثقافةصحيفة البعث

الاحتفاء بلغة الضاد وفنونها في مكتبة الأسد:العربية ليست بأفضل حالاتها!!

 

لغة إذا وقعت على أسماعنا طاقت النفس إليها وترنم شاديها، حماها الله بالفصاحة فتفردت بشمولها وكمالها وتميزت بعذوبة ألقابها ودلالتها،  احتفلت في الأمس مكتبة الأسد الوطنية بالتعاون مع جامعة الجزيرة الخاصة ، والهيئة العامة السورية للكتاب مع نادي شام الثقافي بيوم اللغة العربية، ضمت معرضا لأمهات الكتب باللغة العربية ومخطوطات نادرة مع عرض بيبلوغرافيا في علوم اللغة العربية احتضنته قاعة المعارض في المكتبة، إضافة إلى حفل توقيع كتب من إصدار هيئة الكتاب عن العربية وقضاياها لكل من د. محمود السيد بعنوان “من سمات اللغة العربية ولطائفها” ود. ممدوح خسارة حول “اللغة العربية بين التشدد والتيسير” ود. منيرة فاعور “التشبيه الضمني” والباحث حسام الدين خضور حول “علامات الترقيم في اللغة العربية”.

واستشهد مدير عام هيئة الكتاب  د. ثائر زين الدين في كلمة له في الاحتفالية بقول الأديب الإسباني كاميلو جوزيه سيلا بأن الحياة لن تكتب إلا لأربع لغات قادرة على الحضور العالمي والتداول الإنساني هي الانكليزية والإسبانية والعربية والصينية، فاللسان العربي هو اللغة القومية لنحو ٤٠٠ مليون إنسان، وهو المرجعية الاعتبارية لأكثر من مليار مسلم غير عربي، بالإضافة إلى أن هذا اللسان حامل تراث وناقل معرفة وشاهد حي على الجذور التي كانت أحد أسباب نهوض الغرب الحديث في العلوم المختلفة.

وقال رئيس جامعة الجزيرة الخاصة د.عبد الرزاق الشيخ عيسى: لا يخفى على أحد مكانة اللغة العربية الرفيعة بين اللغات، بل هي أكثر اللغات تميزاً لما فيها من سحر وبيان، هي لغة حية مفرداتها عديدة ومادتها غزيرة. ولعل أخطر ما يتهدد لغتنا العربية استخفاف أبنائها بها، وهجرتهم إياها فنجد كثيراً منهم يصرون على استعمال اللفظ الأجنبي ويتشدّقون به على الرغم من وجود المرادف العربي، بحجة الادعاء بالتحضر والمعاصرة.

ومن أخطر ما واجهته اللغة تفشي ظاهرة اللحن وانتشار العامية، أما على الصعيد الأكاديمي فهل قدمت جامعاتنا للغة ماتستحقه من اهتمام ومكانة؟، وقد قلّت الدراسات العلمية التي تتناول تيسيرها وتعليمها، وتعمد معظم الجامعات العربية إلى التدريس باللغة الأجنبية، حتى طغت هذه اللغات وحلت محل لغتنا الأم.

الهوية

واللغة العربية ليست بأسوأ حالاتها كما قال د. ممدوح خسارة وليست بأفضل حالاتها، ورغم كل الظروف الصعبة التي مرت عليها إلا أنها باقية، وتحت عنوان التنمية اللغوية والمعاصرة قال عضو مجمع اللغة العربية:

اللغة العربية هي الهوية لأنها حاملة التراث، ومفهوم التنمية اللغوية هو لزيادة الثروة اللفظية ومخزونها من الكلمات والمصطلحات والعبارات، وتطوير أساليب التعبير والتواصل في العربية، والهدف منها هو مواكبة اللغة العربية لمتطلبات العصر الحديث لتكون قادرة على التعبير عن كل مناحي الحياة ولاسيما العلمية، ومن وسائل تحقيق التنمية اللغوية تطوير اللغة العربية وإغنائها بالجديد من الكلام، وهذا يتطلب تكملة المواد اللغوية لجذور العربية، وتحديث المعجم اللغوي العام، وإغناء المعجمية العربية بالمعاجم النوعية والتخصصية. بالإضافة إلى تطوير طرائق تعليم اللغة العربية ولاسيما لطلبة العلوم، وتعريب العلوم والتعليم وتوطين المعرفة، وتقننة اللغة العربية أي استعمال التقنيات المعاصرة في معالجتها، فالتنمية اللغوية هي الممر الإلزامي لا لحماية اللغة العربية وتطويرها وجعلها لغة عالمية حية فحسب، بل لإنهاض المجتمعات العربية وتقدمها وتحديثها إنها طريق الأحبة إلى المعاصرة الفعالة المنتجة.

مستقبل للغة الأم

ومع أنه أستاذ في قسم اللغة العربية إلا أن د. حسن الأحمد قرأ محاضرته التي حملت عنوان “مستقبل اللغة الأم” وهو متفاجئ بالكلام الذي من المفروض هو من كتبه وحضره ليلقيه في هذه الاحتفالية، ومما جاء في محاضرته: إن النظرة الواقعية والموضوعية في لغات العالم كلها تدل على أن اللغات تتغير سواء أكان ذلك بإرادة ووعي وتخطيط أم بالإكراه، وأن اللغات تموت أو تمرض عندما لايكون لديها قدرة على الحياة بفعالية، واللغة العربية ليست بمنأى عن هذه التحولات وعندما نتحدث عنها يواجهنا سيل من المفاهيم والمصطلحات فيها إشكالات كثيرة أهمها: تمدد اللغات الأجنبية وتعاظم هيمنة اللهجات المحلية، والقراءة شبه المعدومة بالعربية قياسا إلى لغات أخرى، وإهمال الجانب الوظيفي والاقتصار حتى عند المختصين، والأخطاء الزائدة والمتزايدة في لغة البحث العلمي. ويرى الأحمد أن قضية تعليم اللغة العربية لأبنائها وغير أبنائها ولغير المختصين هي قضية واحدة لكنها متعددة الأوجه.

وعن ماهية المشكلة التي تواجهها اللغة العربية تحدث د. مهدي العش بأن التقليد مسألة تولّد الكسل الفكري، والجنوح نحو تغييرات جذرية غير معتمدة على أسس، نظرية ثبت نفعها قد تسيء إلى العملية التربوية، وفي أوجه أخرى عدم أخذ حاجات الدارسين على محمل الجد، وإهمال إشراك الطالب بشكل فاعل في عمليتي التعليم والتعلم، وتقييم الكفاءة اللغوية غير واضحة المعالم للبعض.

وعن البحث في المشكلة قال في معرض كلامه عن رواية آنا كارِنينا للروائي الروسي ليو تولستوي إن هذه الرواية تطرح عددا من المشكلات دون أن تقدّم حلاً لأي منها، ولكنها ترضي القارئ تماما لأنّ المشكلات قدمت بشكل صحيح. ومن حيث تحديد المشكلة فيجب تحديدها بدقة، فعلى سبيل المثال ما هي المستويات اللغوية الأدنى والأعلى؟ ما المشكلة في التقليد؟ هل مجرد إحداث تغيير في المنهج أمر مجد؟ كيف نعرف حاجات الدارسين؟ كيف نشرك الطالب بالعملية التربوية؟ وكيف نقيّم أداء الطالب في المهارات اللغوية؟

على الهامش

رغم أن الاحتفالية بالتعاون مع جامعة الجزيرة الخاصة وكان الشباب جزءاً لا يتجزأ من التنظيم استمر تواجدهم خلال الافتتاح لغاية إطلاق برنامج الورشات التدريبية التي بدأت بندوة تحت عنوان اللغة العربية والمعاصرة، ثم بدا حالهم وكأنهم أطلقوا صفارات الخروج من القاعة عندما بدأ المحاضرون بالكلام، وكأنهم غير معنيين بمحاور الندوة التي حملت جانباً مهماً يتعلق بهم، وبقي أهل اللغة من أساتذة ومنتدين يتناقشون في أهم النقاط التي وضعت مع حوار ونقاش بين المحاورين وبينهم.

اللغة والطب

ولأن اللغة تولد في أرض الحروف والكلمات والمعرفة فتروي حكاية الإنسان وتفاصيل الحياة سواء في الطب أو الفن والإعلام، وعن علاقة اللغة العربية والطب تحدث د. بيان السيد عن تدريس العلوم الطبية باللغة العربية، ومر على تاريخ الطب بشكل عام وعند العرب بشكل خاص، معتبراً أن اللغة العربية منتشرة وليست قاصرة وعلينا أن نقدرها حق قدرها، لافتاً إلى أن الطب تطور عبر مراحل تاريخية متعددة منذ بدء الحقبة اليونانية والحضارة الرومانية حتى بداية الدولة العربية، حيث بدأت حركة ترجمة أمهات المعلومات الطبية من اليونانية إلى العربية وتم استخدام ألفاظ دقيقة لغوياً للتعبير عنها، مشيراً إلى أن اللغة العربية منذ ألف عام كانت قادرة على أن تنطق بلسانها المصطلحات، فالعرب لم يكونوا سلبيين وناقلين بل كانوا مبتكرين ومضيفين، ولكن شمس الحضارة العربية غابت مع الاحتلال العثماني الذي ظلم الإنسانية بعدم ترجمة العلوم الطبية ومرت فترة مظلمة لعقود طويلة، لكن سرعان ما بدأت بعض البقع المضيئة وأولها في مصر مع محمد علي باشا الذي أراد تأسيس دولة قوية تعتمد على اللغة العربية، وفيها أول تدريس حقيقي للعلوم الطبية باللغة العربية، والبقعة الثانية المضيئة هي الكلية السورية البروتستانتية في جبل لبنان التي اعتمدت التدريس  باللغة العربية، وبقعة الضوء الأخيرة هي تجربة جامعة دمشق حيث ما يزال يدرس الطب باللغة العربية حتى يومنا هذا، ورأى السيد بأن اللغة العربية التي قدرت على نطق العلم باللغة الفصيحة ستبقى قادرة على مواكبة العصر،مشيراَ إلى  أبناء الأمم التي تحترم ذاتها تدرس العلوم بلغتها الأم، إذ استطاعت التجربة السورية الفريدة تحقيق انجازات في الخارج رغم تعليمها الطب باللغة العربية.

اللغة والفن

وعن علاقة اللغة العربية بالفن لفت سفير الفن السوري للعالمية غسان مسعود: أن هذا الجيل يعيش حالة من الشك -وهو ما يجب التركيز عليه-أمام هذه اللغة وهذه الأمة، وما أخشاه وما يقلقني هو أن يجد الجيل القادم ذاته بلا هوية مفهومة، معتبراً أن مسؤولية هذا تقع على التعليم، فهل التعليم بخير؟ يقول مسعود: بكل تواضع علّمت ٢٠ عاماً وأبرز ما كنت أواجهه هو مشكلة اللغة العربية فنحن في زمن الصورة والصوت والقراءة، لذلك يمكن القول إن الدراما هي وسيط لإيصال صورة مشرقة عن اللغة بكل مشاكلها، وأشار إلى مصطلح تيسير اللغة أي ألا نذهب بها إلى اللغة الصعبة وامتلاك القدرة على التعاطي معها، على أن نبقي على قواعد اللغة وجماليتها ومجازها، ويرى مسعود بأن المشكلة ثقافية في الانتماء وبالتخلي عن اللغة والهوية، وتتجلى عندما نفتخر بمن يتحدث الانكليزية أو الفرنسية فهي مشكلة الضعيف أمام القوي والعجز أمام الآخر تماماً مثل الضحية المعجبة بالجلاد، وهذه مشكلة تربوية أيضاً ونحن مطالبون بإعادة النظر بالتعليم والتربية، معتبراً أن الذي يمنع الجيل الجديد من الانجراف والتخلي عن الهوية هو طريقة التربية وأن نقول لهم إن اللغة العربية أجمل لغات العالم، خاتماً بالقول ربما كانت سورية البلد العربي الوحيد الذي أقام شأناً للغة العربية وقدم المسرح باللغة الفصحى، في الوقت الذي كان يقدم في بعض البلدان العربية باللهجة العامية، فقد تميزت سورية بالحفاظ على الفصحى مع الإشارة إلى أن الشكل الذي تقدم فيه اللغة قد يشكل عبئا على المشاهدين لذلك قد تكون الدراما الطريقة التي يقبلها المشاهد.

 

اللغة والإعلام

من جهتها تحدثت من يستيقظ الصباح على صوتها الإعلامية هيام الحموي عن علاقة اللغة العربية والإعلام، موضحة أن هذه المناسبة ليست المرة الأولى ولا الأخيرة التي يتم التحدث فيها عن اللغة العربية، لكن الفارق في الندوة الحالية يكمن في اجتياح وسائل التواصل الاجتماعي وفي تداعيات الحرب، واللوم هنا لا يقع على هذه الوسائل، لأن المصيبة بدأت مع ظهور الإعلام بمعانيه التجارية في بعض البلدان العربية، فعندما بدأ البث بالإذاعات العربية كانت إجادة اللغة الفصحى من أهم مقتضيات العمل، مشيرة إلى عملها في إذاعة مونت كارلو والتي كانت في مرحلتها الأولى حريصة على اللغة العربية وسلامتها مع التبسيط في المفردات، حيث كنا نتحدث باللغة الفصحى حتى في برامج المنوعات  ولكن كان يخيل إلى السامع بأننا نتكلم بالعامية لشدة بساطتها، ثم جاء عصر الفضائيات التي تبث من خارج نطاق الدولة متزامنة بفورة الرغبة بالتعبير عن الذات، فتحول جانب من الإعلام إلى تجاري، وأصبحت المؤسسات الإعلامية تتساهل بانتقاء العاملين فيها ولم يعد هناك مهتم بأمر اللغة، مبينة أن خلاصة الأمر هو تراجع الثقافة الوطنية والاستسهال  والرجوع إلى العامية والقص والنسخ واستخدام مفردات دخيلة مفروضة، وتساءلت حموي: هل فات الأوان بعد أن وقعت الكارثة؟ والجواب هناك دائماً حلولا لكن كلما تأخرنا أصبحت الصعوبة أكثر في الحل، ولذا يجب التفكير بحل إسعافي للحالة الراهنة يتطلب استباق التدمير الآتي واجتماع الكفاءات والجهود وضرورة إيجاد كلمات عربية للمكتشفات الجديدة وإجراء دورات لتمكين اللغة العربية، وتعزيز مهنة المدقق اللغوي وإعداد وتقديم برامح بالفصحى لا تقل جاذبية عن غيرها.

ختام وتكريم

واختتم مدير مكتبة الأسد إياد مرشد الفعالية بكلمة جاء فيها بأن اللغة العربية هي زادنا وقوتنا وهويتنا وأنا سعيد بهذه الاحتفالية الثقافية التي ميزتها التشاركية بين جهات رسمية وخاصة، مشيراً إلى أنه يجب أن نحتفي باللغة في كل يوم والاحتفاء يكون بالممارسة وليس بالتنظير، متمنياً أن تكون  لغتنا في العام القادم أكثر صلابة ووطننا أكثر قوة، كما تم تكريم (د. ملكة أبيض، ود.عبد الله الدنان، ود فيصل ديوب) حيث عبرت د. ملكة أبيض عن سعادتها بهذا التكريم قائلة: أثمن جهودكم ونشاطاتكم فهي مفتاح النصر لبلدنا، معتبرة أن الفضل والاستمرارية في العمل هو الكفاح الطويل رغم الصعوبات الكبيرة مما شكل لديها رؤية قومية إنسانية، كذلك تم تكريم الراحل د.فيصل ديوب الذي أكدت ابنته بأن هذا التكريم هو دليل على محبة ووفاء لهذا الرجل العظيم، وأشار د.عبد الله الدنان خلال تكريمه إلى قدرة الأطفال الفطرية على اكتساب اللغات، وقدم طلاب جامعة الجزيرة الخاصة عرضا غنائيا.

جمان بركات – لوردا فوزي