ثقافة

عمر سرميني.. إسماعيل مروة

أكسم طلاع

أجاد الفنان الحلبي عمر سرميني في أمسية غنائية أحياها أول أمس في دار الأوبرا بدمشق وأبدع بصوته الشجي وبإحساسه العالي حين غنى لجمهوره بعض الأغاني التراثية الحلبية.. أطرب وأبكى وبكى حين أدى أغنية ع الروزانا ويارايحين ع حلب أجهش في البكاء ولدقائق كانت حلب الجريحة سيدة كما هي متوجة سحرا على قلوب عشاقها وألماً سورياً ما بعده ألم.. “ليس عيبا أن يبكي العاشق حبيبته” وهو الحلبي حتى الألم، فلا الكمنجات تروض دمعه ولا الناي يستطيع أن يبني جداراً تهدم، أو يمنع قناصة القتل من غرورها أمام الحياة، الروح والصوت واللحن يبنون مدنا لا خراب فيها ولا خوف أو سواد.. تمر دقائق والمغني لا يستطيع أن يستعيد وقفته النحيلة مثل خيط البزق أو انحناءة الروح في النايات، يبادر البعض منا لإنقاذ دمعة بمنديل لكن الجرح أعمق، ومن الجدارة بنا أن نتلمس ما تبقى من القلب في أمسية اغتنت من  جموح العاطفة ومن الحب الذي يجتمع في بلد كان جميلا وصار جميلا جليلا. هذا ما شهدتُ في آخر النهار النيساني، الذي بدأ بلقاء بعض الفنانين التشكيليين والأديب إسماعيل مروة متحدثا  في ندوة عن الفن التشكيلي والأدب، وكيف تعرف ببعض الفنانين التشكيليين واطلع منهم على حياة تختزلها لوحة الألوان والخطوط والشغف بأقاصي الخيال، ويلتقي في مساءات دمشقية بفاتح المدرس وغازي الخالدي ومحمد الوهيبي وأنور الرحبي، يخرج من صالة الرواق في حي العفيف برفقة وليد مدفعي رحمه الله إلى شوارع دمشق المنتشية بياسمينها وبيوتها الحميمية، يحفظ نزار قباني، وينتسب لجده المتنبي وهو القروي الطالب في جامعة دمشق والقادم من ريف القلمون، يتعرف على روحه حين تأخذه دمشق لسنوات مقيماً بها وعاشقا لها، يقرأ لنا بعض ما كتب عن نسائم قاسيون وعن صبية فقدت حبيبها في حرب ظالمة.. يغص الأديب وهو يقرأ وتنهمر عبرات من تحت نظارته الطبية ويتركها تنهمر لأن حبيبته الجميلة هي المدينة وهي أم الشهيد وأخته وابنته. لم يستغرب أحد من الحضور ما يراه، فالمشهد يستحق أكثر من ذلك وأبلغ، فكل ما في القلب وطن تطاولت عليه الأيادي الآثمة بسكاكينها وظلامها وإرهابها.
لحظات متشابهة في أمكنة مختلفة شهدت معنى المكان والزمان الذي يُعاش، فهؤلاء الطيبون العاطفيون لا يملكون إلا الصوت الجميل والقلم والكلمة والذكريات، ويقيني أنهم السوريون الصامدون، والمغمورون بكبرياء سوريتهم الإنسانية الجميلة والعصية في وجه القبح والدمامة التي تجتاح البشر والآدميين.