ملتقى التصوير الزيتي “في المكان المعنى”
أكسم طلاع
على الرصيف الغربي لقلعة دمشق التاريخية ينتصب تمثال صلاح الدين الأيوبي على حصانه، ورمحه بيده وجهته صوب القدس لتمتلأ النفس بمعاني نحتاج إلى تأمل أبعد في مصدرها وصانع نبضها، لنخطو بعد أمتار متجاوزين النصب نحو اليمين حيث الطريق المحجر المتجه شرقاً نحو باب القلعة الشمالي، وقبله نتجاوز قنطرة بسماكة كبيرة من مداميك الحجر الأبيض يسكن مقام جليل هنا وبعد حجارة على اليمين وعلى اليسار، فالبوابة حيث قلعة القائد صلاح الدين الأيوبي الذي ينطلق نحو القدس. هذا المكان اللائق بأشجار الكينا والصنوبر المعمرة اتخذت منه وزارة الثقافة مقراً لمعهدي الآثار والمتاحف والمعهد المتوسط التقاني للفنون التطبيقية ، حيث مشاغل الخزف والنحت والتصوير الضوئي والخط العربي إضافة إلى قاعات العروض الفنية التشكيلية، وقد نجحت مديرية الفنون الجميلة بإقامة العديد من الملتقيات والمعارض هنا وآخرها ملتقى التصوير الزيتي الرابع بعنوان “سورية جسر المحبة” وقد سبق هذا الملتقى عدة ملتقيات للنحت والتصوير وبنفس التسمية إصراراً على حقيقتها الولادة للجمال والمحبة، وفي الملتقى الرابع التحق عدد من الفنانين السوريين المتميزين في نتاجهم التشكيلي، ومنهم من يحتل المكانة المرموقة على المستوى العربي والدولي تشكيلياً، عشرة فنانين ومن أجيال ومشارب فنية مختلفة منحت الملتقى خصوصية جديدة فمنهم التعبيري ومنهم الواقعي الانطباعي ومنهم الواقعي المؤلف لسحرية جديدة ومنهم الحروفي، فقد أنجز الفنانون خلال أيام الملتقى لوحات ذات قيمة كبيرة ستحتفظ وزارة الثقافة بهذه الأعمال وتضمها إلى حصيلة كنوزها التي تملك، ومن المهم أن نذكر أن ورشة الملتقى الكبيرة كانت مكاناً للدرس من قبل طلبة الفنون وبخاصة طلاب المعهد التقاني للفنون المتواجدين في المكان، حيث اطلعوا على تجربة كل فنان كيف يبني لوحته وطريقة عمله وهي فرصة مفيدة لهم يتعرفون خلالها عن كثب على أجواء المرسم الخاص لكل تجربة موجودة أمامهم، ومن المهم أن نذكر أيضاً بأن كل فنان اشتغل موضوعه الذي يحب، فلا توجيه بأن يكون الرسم نحو تجسيد موضوع محدد بل اكتفت مديرية الفنون بالعنوان “سورية جسر المحبة”، وبالفعل فما أنتجه الفنانون من جمال وإبداع ماهو إلا جزء من حقيقة سورية الراسخة كالحب والجمال والإصرار على الحياة، والانتماء المؤثر للحضارة الإنسانية، سجلوا وجودهم وعشقهم لبلدهم ومدينتهم دمشق بألوانهم وخطوطهم العامرة بالعاطفة والتصوف فكان الجمال حاضراً ومجسداً بخطابهم البصري المبدع، اشتغلوا بطبيعتهم الفنية وقدموا ما أحسوا به وما يليق بنا كسوريين ننتمي إلى أمنا الولادة للجمال، وهنا اقتبس من كلمة للدكتورة نجاح العطار في افتتاح أحد المعارض السنوية حين كانت وزيرة للثقافة: “الخطاب الفني يبقى خطاباً يشتمل على كل المعاني دون أن يغادر معناه ودون أن يبدل صيغته، فنحن نتطلب المغزى إيحاء، والمعنى إيماء والفكر جوهراً يستشف من الدلالة لا من غيرها، ونحرص في الفن أن يكون حقيقياً صادقاً سليماً ينأى عن المباشرة ويجانف التقرير، ويأخذ بأكثر الأساليب عصرية وغنى وتنوعاً ويقول ذاته من خلال نسج المشهد نسجاً لونياً شعرياً فيه الشفافية، والضوء، والظل والفكرة التي يهمس بها التكوين والخاطرة التي تعبر عن مزجة اللون”.
– الفنانون المشاركون: خالد المز – نزار صابور – لجينة الأصيل – ناثر حسني – محمود جوابرة – أسعد فرزات – علي حسين – عدنان حميدة – عمران يونس – غادة حداد – وأنا الفقير لله.