ثقافة

عشبة الخلود

بشرى الحكيم
عندما سأل المحاور ضيفته: لماذا نأيت بنفسك عما يجري في سورية اليوم، عَزَت السبب لعيشها حالة إنكار للواقع الذي يشعرها بالضعف، معترفة بأنها لن تدعي الشجاعة في مواجهة الأحداث، وأضافت: أنا بطبيعة الحال لست انفعالية ولا أكتب وأنا في عين العاصفة “كل شي بيطير” وأضافت: في مرحلة ما قادمة يمكن أن أكتب.
وهل هذا أفضل؟ يسألها فتوضح أنه على الكاتب أن يرى بعين الصقر، وأن يكون موضوعياً وبعيداً عن الانفعالات، وعن الكتابة للتلفزيون قالت: أنا واقعية والدراما والكتابة لها مجرد مهنة، يستغرب مضيفها متسائلاً: لكننا نعرف أنه في الموروث؛ التسلية إذا لم تحمل أفكاراً، تعتبر غير هامةّ!. فتوضح بأنها تخلصت من هذه الفكرة قائلة: “أنا أحب التنويع وليس علينا دائماً أن نناقش الأفكار ضمن الأعمال، مضيفة أن الفن لوحة لا يجب  أن تكون واقعية دوماً، فالفن تسلية من الممكن تحميلها القيم”.
********
في الأسطورة، حين رفض جلجامش الزواج من عشتار، انتقمت منه بطلب الموت لصديقه إنكيدو، إثرها راحت أسئلة الموت والحياة تأكله، وبات همه البحث عن وسيلة لإبعاد شبح الموت عنه، ولم يتأخر في خوض غمار المخاطر للوصول إلى العجوز المخلد أوتنابشتم، للحصول على وصفته السحرية، واجه مخاوفه وغاص إلى أعماق البحر وحاز على النبتة السحرية التي تمنحه القدرة على تجديد شبابه، يضعها على الضفة ويعود للغوص في الماء مستمتعاً، لكن سرعان ما تقع عينا الأفعى على العشبة فتتناولها مجددة شبابها وشرورها.
********
السؤال، هل من حقنا أن نتكئ على آلامنا بحجة خوفنا تارة وبالحرص على الموضوعية ومشاعر الآخر تارة أخرى، بينما بيد كل منا سلاح لا يجب أن يقع في يد عدوه، والمبدع يمتلك القدرة على الانفلات من الزمان والمكان، لديه القدرة على الانعتاق من عبث هذه الحرب الملعونة  لرسم حياة جديدة ومثل عليا بديعة لأمة بأسرها، ولا يقدر على ذلك الإنسان الذي وقف عند حد الحدث الآني والصورة الجزئية المظلمة.
نحن في أشد الحاجة إلى تفعيل دور كل وسيلة متاحة  في مواجهة التحديات الحقيقية على الوطن، وليس المطلوب فقط إثارة الحماسة وتقديم دراما تثير الحس الوطني الذي بتنا بأمس الحاجة إلى إحيائه، بل نحن أمام تحديات جِسام لصياغة مشاريع فنية وفكرية موجهة إلى الجميع في الخارج والداخل، إلى أجيال لا يُعْقل تركها في مهب الأعمال الفارغة التي تدسّ سُمَّ الفكر الهدّام في عسل الصورة الجميلة، وإلى البعض من السوريين الذين يشكلون حاضنة للفكر التكفيري، ممهدين السبيل للإرهاب في حربه على بلدنا سواء لِعِلّةٍ في تفكيرهم أو ضمائرهم، فهل نهمل سلاحاً من أهم أسلحتنا ونقبع بانتظار من ينقذنا من مخاوفنا، بينما ثعابين هذا الزمن تنتظر وتترصد نبتة الخلود التي وُهِبنا مهملة على حافة جنون الحرب.