ثقافة

الطريق إلى الشمس محاولة جديدة للمسرح الاستعراضي

مما لا شك فيه أن دلالات كثيرة ترتبط بولادة المسرح في سورية استعراضياً، أي شاملاً لمختلف عناصر العرض المسرحيّ التي يحاول كثيرون اليوم الوصول إليها دون أن يفلحوا.. والواقع أن تجربة أبو خليل القباني رائد المسرح السوري في إيجاد المسرح الاستعراضي كانت ملهمة لكثيرين أتوا بعده وحاولوا إحياء هذا المسرح فارتطموا بعوائق عديدة ليس أقلها التكلفة المالية الباهظة لهذا النوع من المسرح، خاصة وأنه يعتمد على الضخامة في الإنتاج ولا يجوز أن يعاني أي عنصر من عناصره الفقر سواء العناصر البصرية أو السمعية وهو المسرح القائم على الإبهار بمختلف أشكاله ومعانيه .
ولا شك أن تجربة الرحابنة وفيروز تُعتبر من التجارب المرموقة في هذا المجال عربياً، حيث حاول الرحابنة المزج بين اللحن الجميل والصوت العذب والفكرة العميقة، خاصة وأن ما يؤخذ على المسرح الاستعراضي عموماً فقره على صعيد المضمون لحساب العنصر الغنائي الموسيقي الراقص، وهو الأمر الذي حاول تجنبه الرحابنة ما أمكنهم فقدموا أعمالاً مسرحية ما زالت حتى الآن تعتبر مثلاً أعلى عربياً لكل من يريد خوض غمار هذا النوع من العمل المسرحي.
في سورية ظهرت أعمال كثيرة حاولت تقديم شكل من أشكال المسرح الاستعراضي لكن الجانب الدرامي بقي هو المهيمن عليها، وبقيت أقرب إلى العمل الدرامي المعتمد على الغناء والموسيقا من أن تكون أعمالاً استعراضية كتجارب دريد لحام وبعض عروض الفرق الخاصة التي كانت تعتمد في بطولتها على مغنٍّ أو مغنية لإسباغ شكل من أشكال الاستعراض على عروضها المسرحية.
وفي هذا السياق لا بد أن نذكر العمل المسرحي الاستعراضي المتميز “عرس التحدي” الذي قُدِّم في سبعينيات القرن الماضي واضطلعت ببطولته نخبة من نجوم الدراما والغناء السوريين والعرب كوديع الصافي وسميرة توفيق ومحمود جبر وأخرجه الفنان ممدوح الأطرش الذي يعود اليوم ليقدم عملاً آخر من نفس النوع بعنوان “الطريق إلى الشمس” مستفيداً من التقنيات التي تتمتع بها صالة الأوبرا التي استضافت العرض فكان واحداً من الأعمال الفنية المتميزة التي قدمتها الدار في الفترة الأخيرة، الأمر الذي يؤكد حاجتنا الماسّة لهذا النوع من الأعمال الذي يحاول أن يجمع ما بين الفكرة والكلمة والصوت واللحن والصورة، ولا شك أن تعاون وزارتَي الإعلام والثقافة لإنجاز هذا العمل قد أثمر إنتاجاً فنياً راقياً يشجع على تقديم تجارب مماثلة في المستقبل لأنه مهما كانت التكلفة المادية عالية فإن المردود الفني والثقافي والحضاري من هذه الأعمال يبقى هو الأجدر بأن يبقى حاضراً في وجدان الناس.
أمينة عباس