ثقافةصحيفة البعث

الاستثمار في الإعلام…ختام ندوات اتحاد الصحفيين

أمينة عباس

اختتم اتحاد الصحفيين سلسلة ندواته التي أطلقها مؤخراً في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة بالحديث عن “القطاع الخاص وتجربة الاستثمار في الإعلام الخاص” من خلال ورقتي عمل قدمهما باسل محمد مدير عام إذاعة نينار، وفرح يوسف مديرة التحرير في تلفزيون الخبر، وبيّن مدير الندوة، محمد الخضر، عضو المكتب التنفيذي في الاتحاد، أن الإعلام الخاص فرض حضوره ضمن منظومة الإعلام الوطني السوري، وهو سيوسع مساحة حضوره أفقياً وعمودياً في المستقبل استناداً إلى منحى تطور عالمي يفرض سطوة الإعلام الخاص، موضحاً أن قانون الإعلام المعمول به حالياً نظم عمل الإعلام المطبوع والمرئي المسموع، وأسس التراخيص لإصدار الوسائل الإعلامية، وأعطى الحق لأي مواطن في إصدار الوسائل الإعلامية المختلفة وفق ضوابط معينة، وكانت النتيجة اليوم أنه لدينا تراخيص لعدد من الإذاعات والصحف والتلفزيونات، وتساءل: “هل استطاع الإعلام الخاص بكل تنوعاته أن يزيد المشهد الإعلامي غِنى؟”، و”ما خطط التوسع في ظل تطورات تقنية وتحريرية هائلة في مجال الإعلام؟”، و”ما هي فرص العمل التي توفرها هذه الوسائل للخريجين الجدد؟”.

انتكاسات مالية متتالية

ولخّص باسل محمد في ورقته واقع الإعلام الخاص والصعوبات الكثيرة التي تعيق عمله والمشاكل التي يعاني منها والتي تفاقمت في ظل الحرب على سورية، وبمراجعة لتجربة الاستثمار من قبل القطاع الخاص في الإعلام بيّن أن الاستثمار في الإعلام السوري كان متأخراً في البداية نتيجة تأخر صدور القوانين التي تسمح به، ثم أصبح خجولاً إلى حد ما واقتصر – برأيه – على بعض المواقع الإلكترونية والإذاعات وأيضاً التلفزيونيات والتي تعددت أهدافها، ورأى أنه ما أن بدأت المؤسسات الإعلامية الخاصة في سورية تنطلق وتبدأ حتى تعرض معظمها أثناء الحرب على سورية لانتكاسة مالية واقتصادية كبيرة تفوق معظم الشركات التجارية الأخرى نتيجة الانكماش في السوق الإعلاني بالدرجة الأولى وشحّ الموارد وتراجع الممولين، فأغلق الكثير من وسائل الإعلام لفقدان مقومات الاستمرار سواء من الأرباح أو التمويل، وانكمشت البقية، مؤكداً أنه كان لبعض من بقي منها دور كبير في مجريات الحرب على سورية وساهم في متابعة مجريات الحرب وكشف الأحداث وعندما بدأت الظروف الاقتصادية تصعب تم التخلي عن الكثير من الضوابط والهيكليات الإدارية وأنظمة الجودة في الإدارة من أجل الاستمرار فقط، حيث تداخلت الاختصاصات والواجبات في المؤسسات نتيجة تقليص الكادر البشري وقلة الخبرات نتيجة الهجرة أو الرواتب التي لا تناسب الخبراء في هذا المجال مما انعكس على أداء العاملين لديها، موضحاً أنه وفي العام 2020 تعرضت المؤسسات الإعلامية السورية لانتكاسات مالية جديدة نتيجة أزمة كورونا، ومن ثم سياسة التحصيل الضريبي لسنوات سابقة والتي ظهرت فجأة في وقت غير مناسب إطلاقاً، ونتيجة عدم التفريق بين الشركات التجارية أو الشركات المالكة لوسائل الإعلام والتي كان يجب اعتبارها مؤسسات فكرية منذ التأسيس، وقد تم التعامل معها من قبل المكلفين الضريبيين على أساس أنها شركات غرضها الوحيد هو الربح نتيجة عدم وجود هذه الثقافة لدى القائمين على الشأن المالي في سورية، مشيراً إلى أن المؤسسات الحكومية التي ترتبط بوسائل الإعلام السورية لم تراعِ ظروف هذه المؤسسات في الوقت الذي لا يدرك فيه الجمهور السوري صعوبة ما تعانيه هذه المؤسسات لأنه يرى ويسمع النتيجة فقط، مؤكداً أن أهم الحلول والتوصيات للوصول إلى ظروف أفضل للاستثمار في الإعلام يكمن في مراجعة أسس وقوانين تأسيس وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، واعتبارها مهناً فكرية، واستغلال وسائل التواصل الاجتماعي بترجمة كافة موادها وبكافة أشكالها إلى ما يناسب هذه المنصات ويجذب الجمهور السوري وفتح المجال لأكبر عدد ممكن من طلاب الإعلام وخريجيه للتدرب في هذه المؤسسات سعياً لإيجاد مواهب، وكذلك التحرك بحرية أكبر دون تقييد، والتقيد بقانون الإعلام الذي يتوسم الخير فيه من قبل كافة الجهات المعنية وتسهيل حركة الإعلاميين لأن الاعلام برأيه إن لم يكن قريباً من هموم الناس والمواطن حالياً فإنه لن يستطيع استقطاب الجمهور وجذبه.

ورأى محمد أن الاقتراح الأهم بالنسبة له هو إعادة المجلس الوطني للإعلام الذي قد يكون الجهة التي تهتم بصلب عمل الإعلام الخاص والالتفات لمصاعب وسير عمل المؤسسات الإعلانية بشكل مركز، وختم كلامه بالتأكيد على أن الاستثمار الناجح في الإعلام في أي مكان هو انعكاس لحالة اقتصادية متينة وظروف جيدة لأنه نتيجة وليس سبباً.

نظرة قاصرة لدور الإعلام

وبيّنت فرح يوسف في ورقتها المقروءة أن هناك نظرة قاصرة لدور الإعلام ما يجعل الحديث عن الاستثمار في وسائل الإعلام الخاص في بلد كسورية أمراً محدوداً لقصور الرؤيا لدى الكثير من القائمين على الإعلام عموماً لهذه الوسائل والتضييق عليها لمنعها من أخذ دورها الحقيقي الذي يحولها لمنابر فاعلة بعيداً عن الدعاية والاستقطاب وتكريس وجودها كصدى لصوت المؤسسات الرسمية، مبينة أن أبرز مشكلات الإعلام الخاص هو عدم خروجه حتى اللحظة عموماً من حاضنة المؤسسات الحكومية، فالإعلام السوري الخاص بشكل عام لا زال برأيها انعكاساً لوجهة النظر الحكومية بشكل أو بآخر وأنه يعاني من مشاكل كثيرة كتدني الأجور مقارنة بالجهد والمخاطر وحجم التضخم والحالة التنافسية مع الإعلام الحكومي غير المبنية على أساس رؤيا عميقة للواقع السوري والمصلحة المشتركة، فواقع معظم المؤسسات الإعلامية وبخاصة لناحية الإمكانيات والانتشار والقدرة على حفر مكان بين الجمهور السوري والإقليمي يتطلب شراكات مرحلية واستراتيجية لا تلغي التنافسية المهنية بل تسمح بتشكيل جبهة قوية تضيف وزناً لهذه الجهات وتسمح لها أن تكون أكثر أثراً وفاعلية، مشيرة كذلك إلى أن معظم القائمين على الإعلام يتمسكون بعقلية الوصاية ليس على عقل المتلقي وما يقدم له فقط بل وصاية على الإعلام الخاص وخلق حالة تنافسية مع الإعلام الخاص من المفترض ألا تكون موجودة باعتبار أن التشاركية والتكامل في العمل حاجة مشتركة لتشكيل جبهة إعلامية قوية تنطلق وتبني وتجتمع على أسس وطنية واحدة، إلى جانب غياب الإطار القانوني الواضح الذي ترخص على أساسه كثير من هذه الوسائل وتقييد حريات التعبير وعدم تقديم التسهيلات الكافية للصحفي لممارسة دوره الرقابي مع غياب الهيكليات والقواعد الخاصة للعمل حيث تعاني معظم المؤسسات الخاصة السورية من غياب القواعد العامة والهيكليات الواضحة والمرجعيات القانونية التي تضمن حقوق الصحفيين والعاملين وعدم وجود منهجية واضحة للتطور والتدريب أو مواكبة التطورات وتراجع الإنفاق من المؤسسات الاقتصادية والأحزاب السياسية ومختلف الجهات الممولة مع تأكيدها على تراجع دور الإعلام التقليدي العام والخاص مع سهولة تقنيات التواصل الاجتماعي وتحوُّل نمط الاتصال التقليدي من مرسل يتمثل بالمؤسسة الإعلامية ومتلق إلى نموذج آخر من الاتصال تكون فيه المؤسسة الإعلامية جزءاً من عملية اتصالية يستطيع الكل الحديث فيها بجانب الإعلام وربما بصوت أعلى أحياناً.