في محاضرة “خليل مردم بك المجمعي والشاعر والوزير” كلاس: ضرورة عودة العلاقات الثقافية والفكرية بين أدباء الوطن العربي
لم يكن هناك أجمل من أن تبدأ المحاضرة التي أقامها فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب بالنشيد العربي السوري، فبالإضافة لشعور العز والفخار بكلمات النشيد التي تمجد الوطن وتكرم الشهداء، استذكر الحضور مؤلف هذه الكلمات الشاعر خليل مردم بك الذي خطت يده كلمات هذا النشيد الملونة بالعاطفة الصادقة لأحد المبدعين ممن حملوا الهم الوطني الذي بدا بجلاء في إبداعهم. وحملت المحاضرة التي ألقاها الباحث غسان كلاس عنوان “خليل مردم بك المجمعي والشاعر والوزير” وكانت البداية بتمهيد من أديب الأطفال صبحي سعيد الذي أكد أهمية اللقاءات التي تلقي الضوء على حياة وإبداع الشخصيات المهمة في تراثنا الأدبي.
حاول كلاس إلقاء الضوء على أبرز المحطات والإنجازات لدى مردم بك كأحد المبدعين الكبار الذين ضاهت إنجازاتهم ونتاجاتهم الوقت الذي كانوا يعيشونه، ومردم بك من الذين ارتبط اسمهم بالشام حتى أطلق عليه لقب “شاعر الشام” وقد كانت ولادته في العام 1895 في منزل في قلب دمشق القديمة قرب سوق الحميدية، ذلك المكان الذي ولد فيه عدنان وهيثم مردم بك والذي أصبح فيما بعد مقراً للرابطة الأدبية وصحيفتها، والتي لم تكن مجرد منتدى ثقافياً فحسب، بل منتدى وطنياً بكل معنى الكلمة، دفعت سلطات الاحتلال لملاحقة أعضائها وسجن بعضهم. وفي السادسة من عمره التحق خليل بالكتاتيب ثم بالمدرسة الظاهرية ليلتحق فيما بعد بالكلية العلمية الوطنية، لكن بسبب وفاة والده ترك الدراسة واعتمد على المطالعة والثقافة العامة ليسافر فيما بعد إلى بريطانيا لدراسة الآداب الإنكليزية. ومن الأسماء المهمة التي تتلمذ مردم بك على أيديها ذكر كلاس: عبد الله البزم، عبد القادر السكندري، بدر الدين الحسني في اختصاصات اللغة والفقه والحديث وعن المجالات التي طرقها الخليل وأبدع فيها قال كلاس: كان مجمعيا وقبل ذلك شاعرا وباحثا ومحققا ووزيرا، وصفة شاعر تتقدم على جميع الصفات لأنها تولد مع المرء وكان الخليل أصغر أعضاء مجمع اللغة العربية، ليصبح فيما بعد أميناً لسره ثم رئيساً له، وعمل وزيراً للمعارف والصحة بآن، ثم سفيراً مفوضاً لسورية في العراق، وكانت السفارة في زمنه ملتقى أدبياً وفكرياً، ومكاناً لمناقشة الكتب والرسائل والشعر. وهنا أكد كلاس أهمية الاستفادة من البعثات الدبلوماسية في هذا الجانب كرسل للفكر بهدف الارتقاء بالوطن في الداخل والخارج. أما فيما يخص مؤلفات مردم بك فهي كثيرة ومنها ديوانه الذي صدر بعد وفاته عام 1959 عن مجمع اللغة العربية، وشعراء أهل الشام، وسلسلة مهمة عن أئمة الأدب، إضافة للعديد من المؤلفات الأخرى. وفيما يتعلق بالشعر فقد رأى كلاس أن مردم بك لم يتعرض بشعره لهجاء أحد، إذ يتسم شعره بالحس الوطني والشعر الوصفي الذي كان أيضاً يحمل نفحة وطنية، فكان يصف جمال دمشق والغوطة وبردى وقاسيون. ومن الجوانب المهمة التي أضاء عليها كلاس مؤكدا أهمية عودتها هي عمق العلاقات الثقافية والفكرية التي كانت سائدة بين أدباء الوطن العربي في تلك الفترة، وأعطى عدة أمثلة عليها مثل مشاركة شعراء عرب في تأبين مردم بك وإلقاء قصائد في المناسبة، كذلك التقديم للكتب والدواوين والمجموعات القصصية من قبل أدباء عرب. وختم كلاس بعدة أبيات من مجموعة قصائد اختارها من ديوان الشاعر مردم بك.
جلال نديم صالح