ثقافة

“WHIPLASH” الطموح يجابه القسوة

يقول الشاب لصديقته:
–  أريد أن أكون عظيماً.
–   وأنت لست كذلك؟!
–   أريد أن أكون أحد العمالقة.
–   وأنا أعيقك عن تحقيق هذا!؟
تتركه الفتاة، وهو ما أراده نايمن الذي لايود لشيء أن يعيق تحقيق طموحه، لا يرغب أن يكون معها بينما عقله يفكر” بالطبل والعصي”، يعود للتدريب القاسي وقد أثار حنقه العازف البديل الذي أحضره المدرس، ويجتهد في محاولات تطوير أداءه حتى تنزف يداه فيضعها في الماء المثلج كل مرة، كي يعود للتمرين من جديد ويستحق المنصب الحلم، عازف الإيقاع الرئيسي في فرقة فليتشر الشهيرة.

الجلد بالسوط
لم يكن نايمن الشاب الانعزالي الذي أتقن عزف الإيقاع منذ الصغر يحلم بالعزف في فرقة محلية عادية أو العمل كمدرس في مركز صغير للموسيقا، بل كان يطمح أن يكون موسيقياً عظيماً كواحد من أولئك الذين خلّدهم التاريخ، ولذا فقد التحق بمدرسة فليتشر للموسيقا تحت إدارة المايسترو” تيرنس فليتشر” الذي أدى دوره الممثل” جي كي سيمسونز” والذي كان يبحث عن عازف إيقاع في فرقته، ويفرح نايمن بالحصول على منصب العازف البديل، وتكون المقطوعة الأولى التي يتدرب عليها الفرقة باسم”whiplash “ بمعنى جلد السوط، وتبدأ رحلة نايمن مع الأستاذ غريب الطباع المتوحش الذي لا يتوقف عند أي حدّ عندما يتعلق الأمر بإطلاق الإمكانات والمواهب الكامنة لدى طلابه الموسيقيين. والذي لا يتوانى عن رمي نايمن في الدرس الأول بإحدى الاسطوانات قائلا له:” لقد سمعت تشكيكاً ما في رأسك” ويصل به التطرف في الأسلوب أن يصفعه على وجهه أمام جميع أعضاء الفرقة أكثر من مرة.
لكن وبالرغم من كل القسوة والتطرف في طريقة المدرس يصر نايمن على الاستمرار، مثالاً لطموح وأحلام الشباب واندفاعهم الذي يصل أحياناً حد التهور، ومواجهة المخاطر، بينما فليتشر الذي يؤمن أن له دوراً وحيداً في الحياة وعليه أن يبذل في سبيله كل ما يستطيع وهو صناعة الموسيقي الاستثنائي، مهما كانت الوسيلة قاسية، لا يتوانى عن استحضار أقذر المصطلحات السوقية ينعت بها أعضاء فرقته أمام الجميع بالأنذال أو الأوغاد، سفلة، حثالة، ناقلاً عدوى العنف إلى أعضاء فريقه في بعض الأحيان.
وبالرغم من شدة الضغوط يستمر نايمن في الفرقة متحدياً أستاذه حتى آخر مشهد في الفيلم. “في لقائهما الأخير بعد أن يمنع من قيادة الفرقة، يقول فليتشر لتلميذه مبرراً أسلوبه الغريب في التدريس:”لا يوجد في اللغة أكثر أذية من جملة “عمل جيد” فهو يرى أن المديح يشكل نوعاً من المكابح توقف الاندفاع إلى الأمام، ثم يدعوه للانضمام إلى فرقته الجديدة قائلاً له “إن أخفقت فعليك البحث عن عمل آخر فالأمر يتعلق بالنقاد، إنهم لا ينسون شيئاً”.

أداء لا ينسى
الفيلم يحبس الأنفاس منذ اللحظة الأولى حتى نهاية المشهد الأخير، بأداء رائع للممثلين الرئيسيين اللذين كانا رافعة الفيلم، ومنذ البداية لا يمكن للمشاهد أن ينسى الممثل” جي كي سيمسنز” بأدائه الرائع وانفعالاته القوية، وتعابير وجهه المخيفة أحياناً، وعيونه الدامعة لشدة التوتر، يذكر أن سيمسونز اشتهر بأدواره المساعدة في سلسلة أفلام “الرجل العنكبوت، الثلاثة، ورجاء الحرق بعد القراءة” وأيضاً”جونو”.
أما نايمن الطموح الذي كانت أقصى مخاوفه أن يكون رجلاً عادياً في الحياة، ويندفع في العزف وبذل الجهد لدرجة الإشفاق والخوف، والذي أدى دوره” مايلز تيلر” بطل فيلم “الروعة الآن” و”المنحرف”، فقد أخذنا معه في رحلة تطلبت منه طاقة نفسية وجهد جسدي وألم شديد، جعلنا نتساءل طوال الفيلم إن كان سينجو في النهاية من وحشية وأسلوب فليتشر، وهل سيفقد هذا العاشق شغفه وحبه لالموسيقا.
الفيلم كان تصويراً دقيقاً وتجسيدا رائعاً لهوس الاثنين بالموسيقا، المجونين بالعظمة والوصول إلى القمة مهما كان الثمن الذي سوف يدفعانه هما الاثنان أيضاً.

مدرسة سكورسيزي
أما المخرج” داميين شازيل” الذي استوحى قصته من تجربة شخصية مع معلم له شبيه بفليتشر، فقد قدم أسلوباً في المونتاج وحركة كاميرا سريعة وموسيقا رائعة وجو من الرهبة والغموض اللذين خيما على الفيلم، سئل من أين استوحاهما فأجاب بجملة واحدة:” لقد درست جميع أفلام المخرج الرائع مارتن سكورسيزي”.
فاز الفيلم في مهرجان” سان دانس” بحفاوة بالغة من الجمهور ونقد ايجابي من المهتمين بالأفلام وحصد جائزة الجمهور بالإضافة إلى جائزة المهرجان الكبرى، ثم عرض في  مهرجانات كان، تورنتو ولندن، وحظي بالنقد الايجابي. كما تم ترشيحه أيضاً من قبل الأكاديمية البريطانية للأفلام “بافتا” لخمس جوائز هي: أفضل مخرج وأفضل ممثل مساعد وأفضل نص أصلي وأفضل مونتاج وأفضل هندسة صوت ورشح لأوسكار أفضل فيلم وأفضل سيناريو، أيضا أفضل صوت، ومونتاج وبالطبع أوسكار أفضل ممثل مساعد عن أداء الممثل الرائع” جي كي سيمسونز”.
بشرى الحكيم