ثقافةصحيفة البعث

في ذكرى رحيله.. السنباطي قصة حياتي هي أم كلثوم

أمينة عباس

في مثل هذه الأيام رحل أشهر الموسيقيين العرب وقد اشتهر بتميزه في تلحين القصيدة العربية، ووصِف بفيلسوف اللحن العربي وأحد رواد تجديد الموسيقا العربية، وهو الموسيقي العربي الوحيد الذى نال جائزة اليونسكو العالمية عام 1977 باعتباره الموسيقي المصري الوحيد الذي لم يتأثر بأي موسيقى أجنبية.

ارتبط اسم رياض السنباطي بصوت أم كلثوم، ويتفق الجميع على أن شراكته الموسيقية معها تُعد أعظم شراكة فنية عربية على الإطلاق، وكان تعاونه معها بمثابة جواهر ثمينة في تاريخ الموسيقا العربية، في حين اختصر السنباطي علاقته بأم كلثوم بعبارة “قصة حياتي هي” أما هي فقد وصفته بـ “العبقري” لتفرّده في تلحين القصيدة العربية.

 لقاء العمل الأول

بدأت علاقة أم كلثوم بالسنباطي منذ الصغر وعمره 13 سنة، وعمرها 17 حيث كان والدها الشيخ إبراهيم البلتاجي صديقاً لوالده المنشد محمد السنباطي، إلى أن افتتحت الإذاعة الحكومية الرسمية وأصبح السنباطي يذيع كل أسبوع حفلة مدتها ربع ساعة، فسمعته أم كلثوم واتصلت به ودعته إلى زيارتها، وكان ذلك عام 1935 حيث التقى الثنائي في لقاء العمل الأول وطلبت منه أن يلحن لها قصيدتين لأحمد رامي، الأولى “يا طول عذابي واشتياقي” والثانية طقطوقة “لما إنت ناوية تهجريني” وكان هذا أول نجاح بين الاثنين، وتذكر المصادر أن السنباطي لحن أكثر من ألف لحنٍ وأغنيةٍ، منها ثلاث وتسعون أغنيةً لصوت أم كلثوم بدأت بأغنية “لما أنت ناوية تهاجريني” عام 1936 إلى أغنية “القلب يعشق كل جميل” عام 1972 كما لحن رياض السنباطي جميعَ القصائد التي غنتها أم كلثوم من شعر أحمد شوقي ومجموعها 10 قصائد، وبدأ تقديم مجموعة من تلك القصائد عام 1946، وتُعد ثنائية الشاعر أحمد رامي ورياض السنباطي مع أم كلثوم الأطول بين الثنائيات الكلثومية، وبدأت بإعادة أم كلثوم تسجيل أغنية “على بلد المحبوب” لعبده السروجي عام 1935 ثم قدّم رامي والسنباطي لأم كلثوم 35 أغنية، كما التقى السنباطي مع بيرم التونسي عبر صوت أم كلثوم عام 1947 في فيلم “فاطمة” في أغنية “ظلموني الناس” لكنه لحّن بعد ذلك جميع الأغاني التي غنتها أم كلثوم من شعر التونسي.

غضب أم كلثوم

حدث خلافٌ بين أم كلثوم ورياض السنباطي عام 1962 عندما قدم السنباطي لحن “يا ناسيني وأنا عمري ما أنسى حبك” للمطربة شهرزاد، وصاحَبها بالعود على المسرح مما أغضب أم كلثوم، واستمر الخلاف حوالي أربع سنوات، وعلّلت أم كلثوم غضبها من السنباطي بأنه لم يصاحب أم كلثوم بالعود على المسرح، ومع ذلك صاحب هذه المطربة الجديدة.

قصيدة الأطلال

اعتبر النقاد “الأطلال” تاجَ الأغنية العربية وأروع أغنية عربية في القرن العشرين، كما يعدّها الكثيرون أجمل ما غنت أم كلثوم وأروع ما لحّن السنباطي، وغنتها عام 1966 وكانت عودة التعاون بين السنباطي وأم كلثوم بعد فترة من الخصام بينهما، وقد غيّرت أم كلثوم أكثر من جملة داخل القصيدة التي اختارتها صحيفة لوموند الفرنسية من بين أفضل مئة عمل فني وأدبي شكّلت ذاكرةَ القرن العشرين، ويقول ملحن “الأطلال” عن قصيدة إبراهيم ناجي وتلحينها: “كان فيها شيء غريب، شعرتُ بذلك فلحّنتُها بشكل مختلف، إنها قصيدة كُتب لها الخلود معنى وصوتاً ولحناً”.

غنّت أم كلثوم أغنيات دينية لرياض السنباطي، منها: “رابعة العدوية” كما لحن لها الكثير من الأغنيات السياسية والوطنية زاد عددها على 33 أغنية، أشهرها “قصيدة النيل، مصر تتحدث عن نفسها، وقف الخلق ينظرون، مصر التي في خاطري”.

وسام الفنون والعلوم

لم يحضر رياض السنباطي الحفلات في المسرح، مفضلاً الاستماع إلى موسيقاه على المذياع فقط، حيث كان يجلس في البيت وقت حفل أم كلثوم ويصغي إلى تجاوب الناس مع لحنه، ولا يذكر أنه ارتاد إلا حفلاً واحداً هو مناسبة 23 تموز التي حضرها الرئيس جمال عبد الناصر وغنّت فيها أم كلثوم “طوف وشوف” من ألحانه، ومُنح في هذه الحفلة وسام الفنون والعلوم من الدرجة الأولى.

 بلبل المنصورة

يُذكر أن رياض السنباطي ولِد بمدينة فارسكور بمحافظة دمياط عام 1906 وكان والده مقرئاً وتعلم الغناء في الموالد والأفراح والأعياد الدينية وشغف بالموسيقا والغناء منذ سن مبكرة، فرافق والدَه في الأفراح والموالد، وأصيب منذ صغره بمرض في عينيه حال بينه وبين استكمال دراسته مما جعله يُعلّم نفسه العود بالاستماع إلى عزف والده الذي ركّز على تعليمه قواعد الموسيقي وإيقاعاتها، وقد أدى بنفسه وصلات غنائية كاملة، وأصبح نجم الفرقة ومطربها الأول، وعُرف باسم “بلبل المنصورة”.

استمع الشيخ سيد درويش له فأعجب به، وأراد أن يصطحبه إلى الإسكندرية، لكن والده رفض بسبب اعتماده عليه بدرجة كبيرة في فرقته، وقرر الشيخ السنباطي الانتقال إلى القاهرة بصحبة ابنه عام 1928 حتى يساعده على إثبات ذاته في الحياة الفنية، مثله مثل أم كلثوم التي كان والدها صديقاً له قبل ذهابهم إلى القاهرة، وتقدم بطلب إلى معهد الموسيقى العربية ليدرس فيه، فاختبرته لجنة من جهابذة الموسيقى العربية في ذلك الوقت، ولأن قدراته أكبر من أن يكون طالباً أصدروا قرارهم بتعيينه في المعهد أستاذاً لآلة العود والأداء، وبعد ثلاث سنوات ترك المعهد حيث كان قد اتخذ قراره بدخول عالم التلحين عن طريق شركة أوديون للأسطوانات التي قدمته كملحن لكبار مطربي ومطربات الشركة، وتأثر السنباطي في بداية تلحينه للقصيدة بالمدرسة التقليدية، كما تأثر بأسلوب زكريا أحمد، وأخذ عن محمد عبد الوهاب الطريقة الحديثة التي أدخلها على المقدمة الموسيقية، وكان من أوائل الموسيقيين الذين أدخلوا آلة العود مع الأوركسترا، واستبدل المقدمة القصيرة بأخرى طويلة، وتعرّف على أم كلثوم لتبدأ بينهما رحلة طويلة.