ثقافة

(هل يعود لنا الصيف و مهرجانات تألقه الثقافي ))

رجعت إلى الذاكرة أيام خلت كانت مميزة بحب الحياة، أيام تحنّ إلينا ونحنّ إليها والحنين أصبح فعل شبه مهزوم، أصبح لحن شادي الألوان ولكن صداه بات غير مسموع في خضم الضجيج المعلن لزمن الموت، زمن الوجع الحقيقي، قد تحاول اللغة أن تكتب عنه وترسم حدوده بجمالية خاصة تحمل خصوصيات الأدب السامي، الأدب هو ذاكرة مشحونة التفاصيل بألق الحياة، هو مرآة تعكس نماذج خيرة المحبة كانت تتمثل بفصول الثقافة المتوالية ومواسم المحبة، هذه المواسم ما زلنا نحتفظ بها في الذاكرة وصورها التي تأبى  نسيان روح الجمال رغم تكالب أزمنة القبح علينا، الذاكرة الثقافية باتت وجعاً آخر يحاصرنا ويحمل لنا عدسة الأيام الخالية، ومجهرية الأشياء الجميلة التي باتت مفقودة الآن، وبتنا جائعين إلى أرغفة خبزتها يد الجماعة، يد المحبة، يد التعالي فوق الانقسامات الفرعية وفرعنة الوقت السادي ليأكلنا  حطباً ويلتهي بالتلمظ  بنا.
وهنا نسأل من منّا لا يحنّ إلى تلك الفصول الثقافية ومواسم المحبة؟! من منا لا يسمع صوت أوغاريت ورأس شمر وإيبلا وصراخ قلعة حلب الصامدة؟
من منّا لا يسمع صوت أبو العلاء المعري وهو يقول: حطموا ما شئتم من  جمجمتي، فأدبي موجود أبد الدهر جاهليتكم لا تلغيه، هذه الحضارات تختصر لنا معزوفة الثقافة المعتقة برائحة التاريخ، رائحة الثقافات التي تمثل باختلافها قوس قزح جميل الألوان.
كل هذه الأشياء والأفكار تقودنا للسؤال التالي: أين مهرجانات الألفة والثقافة التي كانت لنا وكنا لها؟!
أهي أيام ماتت وحملناها إلى مقبرة أخرى؟ أهي هجرتنا بحجة ليست منطقية؟
أين اصطياف الثقافة؟! أذكره تماماً كنا على مشارف بيته الياسميني نكتب شعرنا، نضع أولى قبلات أحرف قصائدنا و ندعها تسافر كما نحن. كنا نسافر وننتقل بين المحافظات للاجتماع مع بعضنا البعض والالتقاء بمن يحمل رأياً مغايراً عنا، رأياً تتجلى به روعة الاختلاف. كنا نسافر لحضور مهرجانات الصيف وشتاءات الثقافة وربيع دائم الألفة وخريف لا تتساقط  أوراقه، لأن المحبة أساس قدسي لا يمكن أن ينهار ويموت قمحه الباقي أبد الدهر.
كم نشتاق إلى أن  نلملم أوراقنا الثقافية ونشد حقائبنا للسفر إلى هناك حيث كنا، وكان الزمن أجمل وكانت لغته أسمى وأبجدياته أروع، آهٍ من أبجديات نفتقد نورها؟! آهٍ من كل شيء جميل بات غريب عنا، بات خبزه حلمٍ لا يتأتى إلينا.
آهٍ من وقتٍ بات عبوس اللهجة الثقافية؟! عبوس المحبة يابس الألفة متمرد السادية والتعجرف اللا أخلاقي، هذا الوقت  متوحش إلى حد ما، متوحش الثواني والدقائق يشبه أزمنة الفكر الجاهلي، كل هذا يجعلنا نبحث عن مدارات كنا نعشق السير فيها، كنا نعشق اللقاء والحديث بمسوغات الهم الثقافي، واليوم نسأل، والسؤال هنا ممزوج بقهر الاشتياق إلى تلك الأيام، أين أنشطة الصيف ومخيمات المحبة ومهرجانات الالتقاء على موائد المحبة الإنسانية المطلقة، فمن منا لا يذكر معسكرات الطلائع ومخيمات الشبيبة، من منا لا يذكر أن  المحبة كانت قوس نصر يزين مدخل كل مدينة  وقرية؟! ومن منا لا يذكر الاجتماعات التي كانت تقام  في المراكز الثقافية وزيارة المتاحف الأثرية، وتفعيل حالة السياحة الثقافية  التي كانت سائدة  آنذاك. كل هذا ذهب هباءً محروقاً، ذهب أدراج الريح العاصفة التي تعصف بنا من كل جانب، وبقيت الأسئلة تدور من حولنا؟! أين هي تلك الأجواء الثقافية؟! وهل ستعود لنا يوماً؟! ونلعب الشطرنج وأحجار المحبة هي التي تحرك أصابعنا وتقودنا إلى حيث كنا بالفعل. فمن منا لا يشتاق لأدب المحبة وأبجديات السلام.
منال محمد يوسف