ثقافة

الموسيقا.. عذوبة اللحن وغذاء الروح

بمناسبة “اليوم العالمي للموسيقا” كانت الموسيقا والأنغام حاضرة في الشوارع والساحات العامة والمقاهي السورية، حيث كانت الجوقات والفرق الموسيقية تتجول في الطرقات والأزقة الدمشقية للاحتفال بهذا اليوم العالمي، فكانت أبواب دمشق مشرعة أمام الجمهور معلنة قدرة السوري على صناعة الحياة الجميلة والفاعلة. واليوم ما زالت دمشق تفتح أبوابها لتثبت لكل العالم أنها بلد الحضارة والثقافة رغم كل ما تمر به من ظروف صعبة وقاسية لتحيي الموسيقىاوتغذي أرواحنا المكلومة التي تعبت من أصوات السلاح والحرب.
ففي الاحتفالية التي أقامتها وزارة الثقافة احتفاء بيوم الموسيقا العالمي في ساحة المسكية بدمشق القديمة قرب كنيسة الزيتون كنا على موعد غير منتظر، حمل معه ليلة مزخرفة بنشوة الفرح المعجون بعبق التاريخ الذي تختزنه جدران البيوت الدمشقية القديمة التي شرعت أبوابها للجمهور الذي أتى ينشد فسحة من ألق الروح،  وكانت حالة من التناغم والانسجام عاشها عشاق الموسيقا… كانوا خلالها يتبادلون متعة الإحساس الذي يلامس شغاف القلب ويمحو عنه ما تراكم من غبار التعب والأسى.
كم هو جميل تخصيص عيد للموسيقا يتنادى إليه الناس جميعا، وتساهم في إحيائه مؤسسات وهيئات تسعى من خلال برامجها إلى الارتقاء بالمجتمع إلى حالة من الحضارة والتطور. وقد ميز احتفال هذا العام التنوع في الأساليب المتبعة في كل أنواع الموسيقا، والدعوة للعفوية والتلقائية عبر المشاركات المفتوحة في الهواء الطلق، مما أعطى للموسيقيين من هواة ومحترفين فرصة التعبير عن مقدراتهم ومواهبهم التي جعلت المكان ينبض بالأصالة والمعاصرة، حيث يشيع الدفء والسحر وتتألق الروح في فضاء الياسمين الدمشقي الذي ينتشر عبقه في أرجاء المكان، فيتماهى صوت الآلات بكل أنواعها ليشكل أنشودة محبة يجتمع العالم على أنغامها، فشكراً للقائمين على الاحتفالية على تنظيمهم هذه التظاهرة التي تعيدنا إلى الزمن الجميل. فنحن اليوم ليس أمامنا لمواجهة هذه الحرب الضارية إلا الاحتفاء بالموسيقا والإبداع ككل عسى أن نعيد تجربة الشعوب في أقدم المدنيات التي كانت تتوج فتوحاتها ووقائعها الحربية وانتصاراتها الرائعة بالموسيقى والأناشيد، وتكلل بها هامات الأبطال، حيث تؤلف من جمهورها الحاشد صوتاً واحداً مؤلفاً من مئات ألوف الأصوات يهزون الروابي والجبال من حولهم بأهازيج النصر يتقدمهم البطل المنتصر محاطاً بجيشه المظفر. وهنا يحضرني مثال سفينة “التيتانك” قبل غرقها عام 1912 في المياه المتجمدة بعد ارتطامها بجبل جليدي في أول رحلة لها، حيث عزف رئيس الفرقة الموسيقية والاس هارتلي لتهدئة ركاب السفينة فعزفت الفرقة وقتها ترنيمة “أقرب يا إلهي إليك” أثناء قفز المسافرين إلى قوارب النجاة، وبعدها غرق هارتلي وأعضاء فرقته السبعة بعد أن قرروا الاستمرار في العزف حتى نهاية المأساة التاريخية التي لقي خلالها أكثر من 1500 شخص حتفهم  فاستطاعوا تخفيف الضغط والجو النفسي لهم وللركاب. فالموسيقا لغة العواطف الجياشة، تعبّر عن أحاسيس الإنسان وتعمل على تصفية الذهن ودفع الملل والكآبة والقلق، فما من شيء نحسه أو نفكر به إلا وتقدر الموسيقا قوله في نغمات ومقامات وأغنيات، فهي أقدر الفنون على خدمة الإنسان وأرقى أنواع المنشطات النفسية والعضوية.
جمان بركات