ثقافة

سيلفي: بروباغندا درامية سعودية بوجهين

“سيلفي” الاسم الذي حمله العمل الدرامي السعودي الذي جاء هذا العام ضمن سياق البروباغندا الإعلامية التي تدأب السعودية لتسويقها عنها كبلد يحارب الإرهاب فيما هي بالواقع في مقدمة الدول المصدرة للإرهاب والراعية له، وذلك من على شاشات المحطات التي تمولها إن كان بالعلن أو بالسر كما كشفت وثائق “ويكيلكس” الصادرة مؤخرا عن قنوات لبنانية تمولها السعودية سرا لتخدم توجهها وسياستها،وسواء كانت تلك القنوات إخبارية كالعربية والآن والحدث وغيرها، أم فنية منوعة كالـ mbc التي تبث “سيلفي”في ساعة ذروة المشاهدة الأعلى،المساحة التلفزيونية التي عادة ما تعطيها القنوات الفضائية لأكثر الأعمال العربية الدرامية متابعة جماهيرية في شهر رمضان الكريم “سوق الدراما العربية” نسبة للعائد الإعلاني الدعائي المرتفع الذي تحققه تلك القنوات من الجهات المعلنة نظرا لارتفاع ثمن الإعلانات التجارية التي تتخلل عرض المسلسل بهذا التوقيت كما هو معروف. وهذا ما يؤكد لنا مرة أخرى أن وصفنا “سيلفي” من بطولة “ناصر القصبي” وإخراج”أوس الشرقي”بأنه بربوغندا دعائية صرفة، ليس تجنيا عليه، فالقناة السعودية الأكثر متابعة بين القنوات العربية بسبب ضخامة انتاجاتها لمختلف أنواع البرامج الترفيهية والمسلسلات التلفزيونية، أعطت تلك المساحة لهذا العمل على غير عادتها في “رمضان” التي ذهبت نحو تخصيصها لعرض نتاجاتها الدرامية العربية “السورية والمصرية بشكل خاص” والتي يحضر فيها عادة كبار وألمع النجوم العرب كالنجم “عادل أمام” مثلا،كما أن قناة العربية الإخبارية “شقيقة الـ MBC” قامت في صباح اليوم الذي تلا يوم عرض حلقة “بيضة الشيطان” بجزأيها تأليف “خلف الحربي”، بإجراء لقاء مع “القصبي” ومع كاتب العمل، حيث أكدت القناة في هذا اللقاء على أن حلقة “بيضة الشيطان” هي من قامت بفضح داعش أكثر من كل ما فعله الإعلام، وبأن بطل “طاش ما طاش” تعرض للتهديد من قبل التنظيم لقيامه بهذا الدور، وبأنها أثارت الكثير من الردود التي تناولت العمل بإيجابية شديدة.
ولكن لندع تلك الأمور التقنية التي يمكن الاحتجاج عليها ورفضها، ولندخل بالرسائل الحقيقة التي قدمها “سيلفي” في الحلقة التي حملت عنوان “بيضة الشيطان” وأثارت ردود فعل متضاربة حول موضوعها وهو تسليط الضوء على”داعش” من الداخل عبر قصة بسيطة: رجل سعودي يذهب ابنه للالتحاق بالتنظيم الإرهابي”داعش” فيقرر الرجل الذهاب للبحث عنه والعودة به، ومن هنا تبدأ الرسائل الخفية التي قام العمل بتمريرها،فهو وعلى الرغم من كونه يريد أن يقدم انتقادا شديدا لـ “داعش” إلا أنه أيضا يريد أن يرينا هذا التنظيم بصورة تجعله لا يقهر، إن كان في تنظيمه الداخلي الهرمي المتماسك، أو في أجهزة استخباراته الفعالة دون الإشارة طبعا إلى الدور الحقيقي الأمريكي والسعودي والتركي والأردني في تزويد “داعش” بالمعلومات الاستخبارية، أو في قوته وانتصاره بالمعارك التي يخوضها بيسر وسهولة، أيضا يُظهر العمل التنظيم كدولة قائمة لها قانونها وأحكامها وعلاقاتها الاجتماعية القائمة على المساواة بين أفراد التنظيم في الحقوق والواجبات، كما أن قناعة المنتسبين إليه شديدة ويقينية بأنه تنظيم ديني فقط يقوم على أسس الدين، وأفعاله الإجرامية مبررة من وجهة نظره المنسجمة عما يروجه لنفسه، واستحالة أن يكون هذا التنظيم مخترقا وفي حال شعر أحد المنتسبين إليه بأنه متورط مع تنظيم إرهابي لا دين له، فإن رجوعه عن تورطه هو بالأمر المستحيل، حيث سيقوم التنظيم بكشفه فورا وسيحاكمه بتهمة الخيانة بعد أن يفشل فشلا ذريعا في محاولته الهرب من “داعش”.
كل هذا يقدم تنظيم “داعش” الإرهابي بصورة مثالية لأتباعه، ودعاية تشجيعية للمترددين بالالتحاق به. إلا أن الإساءة الأكبر التي أساء فيها العمل بشكل متقصد ومتعمد لسورية بالتحديد دون غيرها من الدول التي يتواجد فيها التنظيم وبكثافة أعلى كما في العراق مثلا أو ليبيا، وذلك من خلال تصوير وجود هذا التنظيم في سورية بشكل كما قلنا علني وقائم كدولة لها كل جوانبها التنظيمية، وفي هذا إشارة إلى ما لا يكل الإعلام السعودي عن الترويج له، أن “داعش” ليست من صنيعة الوهابية ولا إسرائيل بل هو صنيعة محلية، حيث تناسى صناع العمل التقارير التي بثتها مختلف وسائل الإعلام العالمية، عن تورط السعودية وتركيا الكبير في صناعة هذا التنظيم وتمويله ومده بكل أسباب بقائه وقوته.
ولم تنج المرأة السورية أيضا من الإساءة الشديدة التي قدمها العمل، فمجاهدات النكاح يحضرن في العمل ولكن كسوريات، فالدور الذي أدته الفنانة السورية “مرح جبر” هو الدور النسائي الوحيد في “سيلفي” لمجاهدات النكاح، فالعمل أيضا سقط سهوا من باله أن أول من بدأ “جهاد النكاح” هن نساء قادمات من الطرف الآخر للعالم، بريطانية – فرنسا – كندا- تونس – ليبيا، وغيرها من الدول، ومن يعرف المجتمع السوري كما هو حقيقة لا كما صورته أعمال البيئة الشامية للأسف التي ساهمت في تكريس صورة المرأة السورية المتخلفة، يعلم تماما أن السيدات السوريات على اختلاف مشاربهن الدينية والاجتماعية، هن حقيقة بعيدات كل البعد عن تفكير مريض كهذا.
غاب أيضا عن “بيضة الشيطان” أن تنظيم داعش الإرهابي فيه من جميع الجنسيات غير العربية، كالأفغان والشيشان والدول الأوروبية وغيرها، فلم نشاهد أي شخصية أجنبية خلال سياق الحلقة، وكلنا يعلم كم هو كبير عدد المجرمين الأجانب المنتسبين لداعش.
في المحصلة وعلى الرغم من أن العمل كما قلنا أراد أن يقدم انتقادا شديدا لإجرام تنظيم داعش الإرهابي من خلال تسليطه الضوء على جرائمه التي لا يقبلها أي ضمير حي، إلا أن الرسائل المضادة التي حملها العمل أيضا، تظهر هذا التنظيم في صورة قوية ومتماسكة، وكأنه يريد القول: صحيح أن داعش تنظيم مجرم إلا أنه لا يقهر، وهو أي التنظيم ليس من صناعة الاستخبارات الأمريكية بتمويل من السعودية ودعم لوجستي من إسرائيل وتركيا بل، كما صار معروفا للقاصي والداني.
بقي أن نذكر أن كاتب “بيضة الشيطان” خلف الحربي هو صاحب مقال “جهاد النكاح كذبة الموسم!” والمقال في مضمونه ينفي وجود “جهاد النكاح” على عكس ما كتبه “الحربي” في سيلفي!.
تمام علي بركات