ثقافة

تحية المساء استراحة مع الفن الأصيل

سنوات طويلة مرّت على استقرار خارطة البثّ التلفزيوني الرمضاني على شكلها حيث تسيطر المسلسلات الدرامية على مساحة هذا البث بشكل شبه مطلق في معظم الشاشات العربية ذات نسبة المشاهدة العالية والمتوسطة، فغاب مع هذه السيطرة الفيلم والمسرحية وبرنامج المنوعات وبرنامج المسابقات وهي مواد تلفزيونية كان لها جمهورها ومتابعوها في شهر رمضان فكانت الشاشات تزدان بها فاسحة المجال أمام المتابع لكي ينوّع في خياراته مكتفياً بمتابعة عدد قليل من المسلسلات ومفضّلاً عليها المادة التلفزيونية التي تبدأ وتنتهي خلال ساعة أو ساعة ونصف من الزمن دون أن يكون مضطراً لأن يكرس جلّ وقته الرمضاني لمتابعة سيل المسلسلات الذي لا ينتهي كما هو حاصل اليوم في ظل التراجع الواضح لكافة مكوّنات وأنواع المواد التلفزيونية لحساب المسلسل الذي أصبح ملك الساحة بفضل رأس المال الذي يلعب الدور الحاسم اليوم في صياغة الذائقة الفنية خلال شهر رمضان.
وفي خضم السباق المحموم بين المسلسلات التلفزيونية الدرامية يبدو من الصعب على المادة البرامجية أن تثبت وجودها وتلفت الأنظار إليها، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الدفق الإعلاني الممهد للمواد التلفزيونية التي يتابعها الجمهور في شهر رمضان يركّز على الأعمال الدرامية مهملاً كل ما سوى ذلك من مواد، وهذا ما أدى إلى تراجع الاهتمام بالمادة البرامجية التي أضحت في مستوى الاهتمام الثاني وربما الثالث عند القائمين على شؤون البرمجة في المحطات التلفزيونية العربية.
وبما أن المادة التلفزيونية المتميزة لا بد أن تلفت النظر إليها مهما كان حجم المنافسة كبيراً فقد لفت برنامج “تحية المساء” الأنظار إليه وهو البرنامج الذي يُقدَّم يومياً على شاشة القناة الأولى الأرضية في تمام الثامنة مساء أي مباشرة بعد الإفطار مقدماً جرعة من الهدوء والسكينة وراحة البال على مدى نصف ساعة من الزمن بعيداً عن لهاث الدراما، مستعيداً فيها شيئاً من الذاكرة الجمعية الفنية للمشاهدين من خلال التذكير بمجموعة من روائع الفن الغنائي العربي لأبرز مطربي الستينيات والسبعينيات الذين كانوا أسياد الساحة الغنائية العربية وما زالوا كذلك عند متذوقي الفن الأصيل.
تحية لكل فرد من أسرة برنامج “تحية المساء” الذي زيّن سماء رمضان هذا العام بباقة من أجمل ما قدمه فن الغناء العربي مما يتوفر في أرشيف تلفزيوننا الغنيّ، هذا الأرشيف الذي لا يقدر بثمن لما يتضمنه من روائع بحاجة دائماً إلى نفض الغبار عنها وإعادة إحيائها من جديد .ـ