ثقافة

الفنان موفق مخول وفريق عمله: نحن ملتزمون بالدفاع عن تاريخ وفكر إنساني يصل إلى 10000عام

لكل فنان تشكيلي مشروعه الجمالي الذي يتميز به عن أقرانه الفنانين مع أن الجميع مقتنعون بأهمية الرسالة الفنية، ومدى ما تستحق من إخلاص وعناية بتطوير هذا الحب وتصعيده إبداعياً ليصل إلى أكبر المساحات الإنسانية تأثيراً فيها، وقد نجح العديد من الفنانين في إنجاز علامات فيها من الابتكار ولها من التأثير والنجاح الفني، حُسبت لهم وتم تسجيلها وتوثيقها في الذاكرة، ومن الضروري ذكر أهمية الفرق الفنية والورش الجماعية التي تشتغل بروح جماعية وتتحلى بالإرادة والإيمان بالهدف والرسالة الفنية، هذه المجموعات الفنية أنجزت أعمالاً كبيرة وشاهدة، ولاتزال تنتج وتخطط لإنتاج المزيد. ولعل ما يميز عِقدَها فنان ذو شخصية قيادية، طليعي الفكرة والمبادرة ويتمتع بروح تتوثب النجاح ولا تنكر جهد من شاركوه، وهذه الحالة قد تكون من الصعوبة أن تتحقق في مضمار الفنون التشكيلية، لأن النزعة الفردية وتسلط الهاجس يكون مربكاً حتى لصاحبه فكيف سينجح في جماعة وتتوحد إرادتها بإدارة ما تصبو إليه من هدف.
في دمشق استطاع الفنان موفق مخول تشكيل فريق من معلمي مادة الفنون في تربية دمشق، شباب وصبايا يمتلكون من حافز التميز والمبادرة إضافة للخبرة وحب التجريب والشجاعة الفنية التي يحتاجها الفنان، وخاصة أولئك المسكونين بهواجس التعمير والتزيين وخلق جمال يعيش بين الناس ويدوم ويشارك الجميع في إغنائه: عمار نعمة وعلي سليمان ورجاء وصفاء أوبي وحذيفة العطري، فريق يقوده الفنان موفق مخول الذي حل ضيفاً في ندوة أقامها اتحاد الفنانين التشكيليين مؤخراً تحدث فيها عن تجربته الفردية وتطورها، وعن فهمه للدور التربوي الذي تلعبه الفنون الجميلة، وشاركه في الرأي عن التجربة فريق العمل الفني وكيف تجسد التعاون في تنفيذ العديد من  اللوحات الجدارية في مدينة دمشق، وتجهيز متحف العلوم التربوي وإدارة مركز الفنون التشكيلية التابع لمديرية تربية دمشق وإقامة العديد من الدورات المتخصصة في تعليم الرسم للصغار وتنمية مواهبهم.

بداية التجربة
في حي القابون حيث منزل والده لم يكن هناك ما يدفع إلى نمو الميل نحو الفن، فالأب يتمنى أن يجعل من ولده ما فشل هو في تحقيقه، فلو رغب  أن يكون ملاكماً يوما ماً وفشل ستتولد هذه الرغبة وسيحاول تحقيقها بولده أو أن يكون طبيباً أو ضابطاً أو بطلاً تاريخياً، كل هذه الرغبات دفعت الأب أن يشجع ولده لتحقيقها ليعوضه ما تمنى، لكن يختار الطفل الألوان والرسم والفن ليجد فيها ظلال شخصيته وإنسانيته التي يحب حين يعززها معلم الصف يوم أخذ دفتر الرسم وجال به على التلاميذ مثنياً على زميلهم، من هذه المبادرة التي لم تكلف الأستاذ إلا دقائق من الوقت جعلت منه رساماً، فاجتهد لتعزيز هذه الشخصية التي أحب أن يكون فيها، ومن هناك بدأ موفق مخول الذي انتسب إلى كلية الفنون الجميلة وعمل في الصحافة السورية رساماً مشاركاً في أعمال كاريكاتورية سياسية، وكانت تلك الفترة السياسية التي طغى عليها مناخ التنازل عبر مفاوضات كامب ديفيد وظهور الصف الآخر بثقافة الصمود والتصدي لمحاولات التفريط والتنازل، هذا الشأن السياسي أضحى محوراً لأغلب رسامي الكاريكاتير في الصحف ومنهم الفنان مخول الذي حاول أن يجد مكاناً بينهم، لكن الساحة تحتلها أسماء معروفة في هذا المجال ومن الصعب أن يأتي أي مشارك ويؤكد شخصيته الفنية بسهولة، مما حدا بـ “مخول” إلى التراجع إلى مكان يستطيع أن يقدم فيه أكثر فكانت منظمة طلائع البعث، هذه المنظمة التربوية  العريقة بدورها في التنشئة والإعداد لجيل تربى على قيم وطنية وقومية وجمالية، وقد عمل في هذه المنظمة أساتذة الفنون الذين ساهموا في معسكرات الطلائع والإعداد للمهرجانات القطرية السنوية في المحافظات، ويعتبر موفق مخول تجربته في المنظمة من أغنى التجارب التي تعلم منها من خلال احتكاكه مع خبرات فنية زاملها لسنوات: الفنانون غازي الخالدي، علي الكفري، أنور الرحبي، محمد الوهيبي وغيرهم من الفنانين، وهناك في منظمة طلائع البعث يعترف الفنان مخول بما اكتسب من لياقة وروح التعاون مع الآخرين، ومن نجاح العمل الجماعي وضرورة تشجيعه وتعميمه ليصبح ثقافة إنسانية ووطنية.

“بريستيج” الفنان
يسافر البعض خارج البلاد لأسباب منها العلم والعمل والسياحة والهجرة أو لأي سبب كان، وقد سافر الفنان مخول إلى أمريكا في بداية التسعينيات من القرن الماضي وبقي هناك ما يقارب السنتين، وحين عاد سأله الأصدقاء عن الفن هناك وعن زيارته الطويلة وما يحمل من انطباع وماذا كان يعمل؟ وببساطة الفنان وصراحته أجاب مخول: عملت في كازية وفي جلي الصحون -تصور أنك تغسل يومياً جبلاً من الصحون- هذا عملك فقط، وما يقوله بعض أمثالي أنني كنت في جولة فنية ما هو إلا ادعاء ومن باب  “البريستيج” الكاذب، ولا يخفي أنه تعلم من تلك البلاد أن لارحمة فيها لمن لايعمل، وقد تعلم أيضاً من خلال تجواله في الشوارع أن الفنون تتبع المدنية وتنمو فيها ويتابع مخول: لقد شاهدت فنون الشارع، نعم وتعلمت شيئاً ما، لكنني لم أكن أرسم أو أبيع لوحاتي أو أي شيء من هذا، فقد كنت محباً للمعرفة وفنون الآخرين وتتبعتها ولو كنت أغسل الصحون!
“أسرد هذا التصريح للفنان مخول لغاية أقصد بها البعض من الذين سافروا وزاروا بلاداً بعيدة كانت أو قريبة، أن الفنان يكبر في بلده ولن يحترمه إلا أبناء بلده، وما يحمل من هواء نظيف يملأ رئتيه لن يكون إلا هواء بلده، وما من لون جديد يختبره يكون أجمل من ألوان طبيعة بلده..”.

من متحف العلوم إلى الشارع
ويؤكد الفنان مخول أن الفن التشكيلي هو حياة وثقافة تتعدى اللوحة وتتجاوزها، فالفن رؤية واستقبال ورسم يعيشه الفنان ويربي الأجيال على قيم الجمال التي يتجلى فيها الفن، ففي وزارة التربية عمل الفنان بالتعاون مع بعض المعلمين وأنجزوا “متحف العلوم”، المؤلف من بقايا وسائل الإيضاح والأدوات التي يستعين بها المدرس، وقد تم الحصول على هذه المواد من مستودعات المدارس والمخازين القديمة التي احتوت على ذاكرة تصل إلى 50 عاماً من عمر المناهج والمعارف التربوية وأدواتها التي تستعين بها الوزارة، وبالتالي هذا المتحف هو “متحف التربية”. وبعد ذلك بدأ العمل على فهم آخر من مفاهيم الفن الحديث، وذلك بإنجاز العمل الفني المعروف في مركز الفنون التشكيلية في حي التجارة، ومن ثم تنفيذ اللوحة الجدارية الثانية على جدار مدرسة الشهيدة نهلة زيدان في أتوستراد المزة، في ظرف الأزمة التي ظن الآخرون أن سورية أصبحت غير قادرة على إنتاج الفن، وكان هذا العمل الجداري الذي سجل  في مجموعة غينيس للأرقام القياسية. وأوضح مخول في بيانه: إننا كفريق عمل لم نتحدّ أحداً بل خاطبنا الجيل القادم والمستقبل، وتحدينا البشاعة والفراغ وبعثنا رسالة للآخرين تتضمن الجمال والحياة التي تمتلكها سورية، وهؤلاء أبناؤها يدافعون عن حضارتهم التي تصل إلى عمر الإنسانية وتاريخها، ونحن كفنانين تشكيليين بحاجة لبعضنا البعض، والوطن بحاجة لنا جميعاً، ونحن ملتزمون بالدفاع عن فكر وتاريخ هذه البلاد وجمالها.
أكسم طلاع