مع بدء عروض” زهرة الياسمين” وليد الدبس: مسرحية من صميم ما يحدث في سورية
بعد غياب دام أكثر من أربع سنوات عن خشبة مسرح الطفل يعود المخرج وليد الدبس للمسرح من خلال مسرحيته “زهرة الياسمين” التي افتتحت أمس على خشبة مسرح القباني، ويبيّن الدبس في حواره مع “البعث” أن غيابه كان بسبب التأثيرات العميقة التي تركتها الأزمة التي تعيشها سورية منذ سنوات عليه وعلى كل مواطن سوريّ، مشيراً إلى أن حالة الانسحاب قد أخذت وقتاً طويلاً، وها هو اليوم يعود إلى المسرح ليقول كلمته كمسرحيّ من خلال نص كتبه خلال هذه الفترة ويتناول فيه ما يحدث في سورية بشكل عام ودمشق بشكل خاص.
دمشق زهرة الياسمين
لا ينكر الدبس أن السنوات التي انقطع فيها عن المسرح قد غيرت فيه الكثير كمؤلف ومخرج، مبيناً أن غيابه سببه الأزمة التي حفرت عميقاً في نفسه وأن إحساسه بالألم والخوف من اليوم والمستقبل جعله يبتعد، إلى أن قرر العودة إلى المسرح من خلال مسرحية “زهرة الياسمين” التي تحكي عن مدينة دمشق وما تتعرض له من عدوان وكيف أن زهرة الياسمين التي ترمز لدمشق رغم كل ما يعصف بها ستعود للتفتح كما كانت في السابق، لأن دمشق لا يمكن أن تكون إلا مدينة الحب والتآلف وهي مدينة التاريخ والحضارة، موضحاً أن كل مرحلة نعيشها في المجتمع تفرض علينا طريقة تعاطٍ معينة مع الأشياء، لذلك كتب نصاً من صميم ما يحدث في سورية وهو بذلك يختلف عن بقية نصوصه الأخرى التي كتبها في فترات سابقة، مشيراً إلى أن النص له علاقة بما يحدث بشكل غير مباشر حيث سيشاهد الطفل كيف أن الأشرار يحاولون القضاء على زهرة المدينة فيدافع عنها أصحابها ليعيدوها إلى مكانها الطبيعي، مؤكداً الدبس أن حديثه عما يجري في سورية من خلال “زهرة الياسمين” بما فيها من رموز تعبّر عما يجري حالياً سيصل إلى الطفل السوري لأنه طفل واعٍ وقد جعلته ظروف الحرب أكثر وعياً، فأي طفل سوري –برأيه- يعرف أن دمشق هي زهرة الياسمين التي يحاول الأشرار القضاء عليها.
بعيداً عن الوعظ والإرشاد
ويرى الدبس أن طفلنا يجب أن يعيش الواقع كما هو، ومن الخطأ تقديم أعمال له وكأن شيئاً لم يكن، لذلك يصر في نصه على مقاربة الواقع وما نعيشه من ظروف حرب، لكن كل ذلك برأيه يكون بطريقة فنية جميلة من خلال اللون والإضاءة والكلمة التي سيستخدمها الممثل.
وينوه الدبس إلى أن جمهور مسرح الطفل قد تغير، فجمهور اليوم عاش الأزمة ولديه قابلية وتحفز وقلق أكثر وهي أبواب كثيرة لحالة التقبّل لأي عرض يتحدث عما يجري، خاصة عندما يتم ذلك كله ضمن حالة فنية مشوقة، مبيناً أن نصه مختلف وفيه وجع. وقد حاول الدبس ألا يقع في مطب المباشرة من خلال احترامه لذهنية الطفل وطريقة تفكيره عبر طرح عفوي بسيط بعيد عن الوعظ والإرشاد والتعليمات المعلّبة. من هنا يبيّن الدبس أنه ترك مساحة كبيرة ليشغل الطفل خياله، رافضاً أن يقدم للطفل كل شيء على طبق من ذهب.
وعلى الصعيد الفني يشير الدبس إلى أن أولوياته كمخرج كانت من خلال تقديم عنصر بصري مغرٍ مع توجيه الشخصيات عبر أدواتها وأدائها لخلق حالة تواصل بينها وبين الطفل، وبالتالي يعول على الممثل في إقناع جمهوره بالشخصية التي يؤديها بناء على مدى فهمه لعقلية الطفل واحترامه لخياله، حيث يتمتع الطفل برأيه بخيال واسع، ومهما استعرض الكبير خياله لن يرتقي لخيال الطفل. من هنا يجب أن يتعامل الكاتب والمخرج والممثل بشكل حذر ودقيق معه، مؤكداً الدبس حرصه على استدعاء مجموعة من الأطفال أثناء البروفات للوقوف على انطباعاتهم والاستفادة من ملاحظاتهم، موضحاً بالوقت ذاته أن عروضه هي للأسرة ككل وليست للطفل وحده، وهو مؤمن أن داخل كل واحد منا نحن الكبار طفل صغير يمكن دغدغته في أي وقت، منوهاً إلى أن ممثل مسرح الطفل الذي يختاره لعروضه المسرحية الطفلية يجب أن يمتلك طاقة عالية على المستوى الحركي والجسدي، وأن يمتلك خيال وجسد طفل لأنه إن فقد أياً من هذه الصفات سيفقد القدرة على التواصل مع الطفل.
استخفاف بعقلية الطفل
ويعترف الدبس، وهو الذي يكتب ويخرج للأطفال وقد نال جائزة أفضل تأليف مسرحي في مهرجان عمّان الثامن عن نصه “الريشة البيضاء” الذي قُدم على خشبة المسرح عام 2010، أنه يكتب أحياناً نصوصاً تقليدية ليبقى التحدي الحقيقيّ بالنسبة له كمخرج هو في كيفية تقديمه على خشبة المسرح بقدرته على كسر حدة تقليديته، وهذا يتم –برأيه- من خلال تقديم كل ما يحبه الطفل، موضحاً وهو الذي اعتاد أن يكتب نصوص أعماله المسرحية بنفسه أن سبب اعتماده على نصوص يقوم هو بكتابتها هو قلة النصوص التي تتوجه للطفل، وأن سبب شحّ النصوص المسرحية الصالحة للعرض يعود لاستخفاف الغالبية بعقلية الطفل والمباشرة في طرح الموضوعات عن طريق الوعظ والإرشاد والتعليم الذي أصبح ينفر منه طفلنا، إضافة إلى عدم احترام ذهنية الطفل والتعامل معه كمتلقٍّ فقط.
أما رفضه لفكرة أن يعتمد على نصوص بحاجة إلى التعديل والتغيير فيها فسببه رغبته في أن يكون النص الذي يكتبه مطواعاً لأسلوبه الإخراجيّ حيث أن كل نص من النصوص المكتوبة من قبل غيره يُكتَب ليخرَج بأسلوب معيّن، وهذا ما لا يتناسب في أغلب الأحيان مع أسلوبه الإخراجي الخاص به، في حين عندما يكتب هو النص يراه في الوقت ذاته كصورة على خشبة المسرح، ويراه أثناء الكتابة كعرض يُقدَّم على المسرح على جميع الصعد (الصورة-اللون-الحركة) مؤكداً أن ثقافة الكاتب تلعب دوراً كبيراً في إنجاز نص مسرحي متميز، ويؤسفه أن التقنيات المتوفرة في المسرح تجعل المخرج يقدم أو يلغي العديد من الاقتراحات وأن التقنيات الموجودة اليوم في مسارحنا تجعل المخرجين يستغنون عن 25 بالمئة مما يريدونه، والحل برأيه ليس عدم العمل والانتظار حتى تتوفر هذه التقنيات وإنما بالبحث عن بدائل جيدة لتقديم كل التصورات المرادة، أو ما هو قريب منها بهدف تقديم مشهدية مقبولة.
ويختم الدبس حواره مع “البعث” موضحاً أنه يحترم كل الكتابات النقدية التي تكتَب عن أعماله ويحرص على متابعتها متمنياً من النقاد أن يكتبوا وينقدوا بشكل موضوعي لأن الحالة النقدية مهمة في مسرح الطفل للوصول إلى عرض بصيغة فنية جيدة خاصة وأن مسرح الطفل في سورية برأيه متطور وهو يمتلك كل العناصر الفنية المؤهلة والمتميزة من مخرجين وممثلين وموسيقيين.
يذكر أن مسرحية “زهرة الياسمين” من إنتاج مديرية المسارح والموسيقا-مسرح الطفل- نص وإخراج: وليد الدبس- مساعد المخرج: محمد المودي- الفنانون المشاركون: أسامة تيناوي-ديالا داؤود-زيد الظريف-زهير البقاعي-روجينا رحمون-آلاء نصري-أسامة جنيد-داود شامي.
أمينة عباس