ثقافة

ملتقى “المقاومة… ثقافة وانتماء” تكريس وتأكيد لفكر المقاومة

إرادة الحياة تنتصر بالمقاومة وبها يعلو صوت الحق على جبهة الشمس ليحقق رجالاتها حقوقهم المشروعة ويستعيدوا ما سلب منهم بالقول والفعل بتكريس ثقافة المقاومة، لأنها ثقافة وانتماء، وتحت هذا العنوان انطلق ملتقى”المقاومة… ثقافة وانتماء” الذي أقامته وزارة الثقافة على مدرج مكتبة الأسد الوطنية حيث أشار معاون وزير الثقافة توفيق الإمام في كلمته إلى أن المقاومة هي التغلب على سيل من الضغوط التي قد لا يحتملها الغير. وتأتي الثقافة كمفهوم وجود لا مجرد إطار، منوهاً إلى أن المنتصر هو من  يصنع الثقافة  التي يريدها وعلى المهزوم أن يتقبل ذلك. من هنا تأتي ثقافة المقاومة ويمكن القول أن كل مقاوم هو مثقف يحاول جاهداً تجديد وتحديث آليات ثقافة المقاومة بفروعها المتعددة وأشكالها المتنوعة، ومنح المقاومة عمقاً ومعنى عالمياً إنسانياً مستنداً إلى القوانين الدولية، ومؤكداً أن سورية اليوم بتضحياتها كانت حاضرة  في العملية الدولية والإقليمية المعقدة التي أدت إلى ظهور واقع ملموس أسهم في تحقيق هذا النصر الكبير لمحور المقاومة.

بداية تحرير
وألقت دعاء صالح من مصر  كلمة المشاركين لفتت فيها إلى أنه ليس غريباً أن تتحمل سورية المقاومة اليوم ما لم تتحمله أي دولة في العالم، فهي التي أهدت  العالم أبجدية الحرف والعدد والاسم والفعل والمصدر، خاصة وأن الثقافة السورية هي التي ترد الوعي للوعي وتعيد تجذيره، وهي التي تدافع ضد الرجعيات التي تسوق المنطقة نحو التخلف،  مضيفة أن سورية تحتضن وترعى كعادتها المشروع الذي أقره القانون الدولي في حق الشعوب بمقاومة مستعمريها، آملةً أن يكون هذا الملتقى بداية تضاف للبدايات التي تسطرها سورية لتحرير الأراضي المحتلة من  العدو الإسرائيلي وتتويجاً لعدد من الفعاليات التي تقام في سورية.

الثقافة العنصر الأساسي
بدورها أكدت لـ “البعث” مديرة ثقافة ريف دمشق ليلى صعب على أهمية هذا الملتقى قائلةً: ملتقى “المقاومة…ثقافة وانتماء” ينسجم ويتناغم مع موقف سورية المشرف ومع خطوات الجيش العربي السوري على أرض سورية يحرر أراضيها مع أبطال المقاومة، فالثقافة اليوم يجب أن تكون اليوم العنصر الأساسي والحاضن على ساحة المعركة. وقد بدأت هذه الفعاليات في ذكرى رحيل القائد المؤسس حافظ الأسد في 10 حزيران واستمرت حتى 25 تموز حيث ضمت أكثر من 50 فعالية في كافة المراكز الثقافية على امتداد محافظة ريف دمشق.

ثالوث النار
وتم خلال الملتقى عرض فيلم ضم بعض شهادات من الأراضي المحتلة سواء الفلسطينية  التي اعتبرت الملتقى تمسكاً بالثوابت الوطنية، أو من الجولان السوري التي جاءت شهادات من أشخاص يعتزون أنهم عرب سوريون باقون على العهد، كما تم عرض فيلم “القنيطرة ثالوث النار” الذي تناول بطولات الجيش العربي السوري من إنتاج قناة العالم التي أكد مديرها حسين مرتضى أن وجود هذه الحركة الثقافية في عاصمة المقاومة دمشق هو من أجل ترسيخ مفهوم المقاومة، ولتجسيد عملها إن كان من خلال لوحات فنية أو بعض الأفكار التي ستطرح من خلال الندوات في ظروف الحرب التي تتعرض لها سورية، وأن هذه الحرب التي يقودها الجيش السوري هي استكمال لحرب تموز 2006، ومع كل هذا الصمود وبعد مرور 5 أعوام نحتفل بصمود الجيش السوري والمقاومة وانتصاراتها.

فن ومعارض
وترافقت فعاليات الملتقى بافتتاح معارض التصوير الضوئي والفن التشكيلي (رصاصة وكاميرا) و(بندقية وريشة) حيث أشار محمود عبد الله رئيس رابطة الفنانين التشكيليين في مخيم جرمانا إلى مشاركته بعملين: الأول عن محور المقاومة يرمز للتصدي لكل من يحاول العبث بأمن الوطن، والثاني يمثل منظراً عاماً لمدينة القدس، لافتاً إلى دور الفنان في حماية الأوطان، كذلك شارك الفنان أيمن مصطفى بلوحة عبّر من خلالها عن الأمل فيقول: شاركت بلوحة بورتريه لطفلة عاشت النزوح، فتظهر في اللوحة بجسد ميت وعلامات الانكسار والعذاب والدمار واضحة، لكن تبقى ابتسامتها بصيص الأمل المرتجى.

سورية حديثة ومتطورة
وفي جلسة الملتقى الأولى نوه المفكر رشاد أبو شاور محور “المقاومة قطب جديد على الساحة الدولية” إلى أن المقاومة التي تخوضها سورية هي مقاومة من أجل بناء سورية حديثة متطورة، وتقديم مشروع قومي نهضوي للأمة والمقاومة العربية الإنسانية هي التي تجمعنا مع شعوب أخوة في كافة دول العالم، مشيراً إلى أن سورية اليوم تدفع ثمن نظرتها الاستقلالية، وهي شريك وخندق أساسي لكل بلد مقاوم، مؤكداً ضرورة العمل على ثقافة بناء الإنسان الذي يقوم على مبدأ المواطنة الحقة والتمتع  بالكرامة، ويترسخ بحيث نقول أننا ننتمي لثقافة تقف في وجه ثقافة النفط المفسدة التي تشتري الكتاب والمثقفين، ولفت أبو شاور إلى أن على  كل سوري أن يشعر بالفخر لأنه في الخندق الأمامي للمقاومة، فصمود سورية هو من أعطى الجميع فرصة الصمود والبقاء، ومن حق سورية أن تبارك وتفرح لانتصار إيران، ومع أنه أبن فلسطين إلا أن “أبو شاور” يعتبر أن سورية وطنه وأن بقاء سورية صامدة هو بقاء لفلسطين.

ثقافة المقاومة
من جانبه لفت ناصر قنديل في مداخلته إلى المقاومة كثقافة، لاسيما وأن بدون وعاء الثقافة ليس هناك أي معنى أو قيمة لأي شيء، منوهاً إلى أنه ليس صحيحاً أن هناك ثقافة ضد المقاومة بل هناك “لا ثقافة” تعمل على غرائز الإنسان بعيداً عن الثقافة، ويعتبر قنديل أن ثقافة المقاومة هي ثقافة الفطرة التي استطاعت هزيمة الأدوات العسكرية العملاقة للعدو،  وانتصار إعلامنا بكل ما فيه من سلبيات وإيجابيات على المؤسسات الإعلامية العملاقة،  منوهاً إلى أن الإعلام قادر على بث رسائل دمار وتخريب تشابه تخريب الآلة العسكرية،  لكن السوريين قادرون على الصمود بالعقل وبالسلاح، من هنا فإن كل ما يحدث هو ثقافة.

رسالة الحق والخير
من جهته أكد مدير الهيئة العامة السورية للكتاب د. جهاد بكفلوني لـ “البعث”: أن الثقافة أسلوب حياة، وعندما ندعو إلى أن تصبح المقاومة ثقافة فهذا يعني أن يتشربها الطفل كما يتشرب القيم الأصيلة، فنحن نعاني من عدوان خارجي يستهدف سورية لأنها كانت على الدوام القلب النابض للعروبة وقلعتها الشامخة، وراهن على أن سقوط سورية سيكون وشيكاً، لكن تبين لهم بعد مرور أكثر من 4 سنوات على هذه الحرب أن سورية ستبقى كما كانت قلعة المبادئ السليمة، خاصة أن قوى الخير تقف إلى جانب سورية التي تحمل رسالة الحق والخير والجمال. ويتابع بكفلوني: ما يجري الآن من صمود أسطوري في سورية هو ما يؤكد أن محور المقاومة بات حقيقياً، ودماء المقاومة اللبنانية التي امتزجت مع دماء أبطال الجيش العربي السوري، هو تأكيد على أن محور سيحقق النصر الكبير.

بيت المقاومة
ويأتي هذا المؤتمر تتويجاً للتربية الوطنية التي عشنا وتربينا عليها، والتي نعرفها من أجدادنا وآبائنا، ومن مداولات الكتب والأعمال السياسية من مذكرات وسير ذاتية، فيقول الأديب حسن حميد: هذه البلاد هي بيت المقاومة هنا تربى الآريتيري والبحريني والمصري والفلسطيني والعراقي من أجل شيء وحيد هو المقاومة وإعادة الحرية والمجد والعروبة مجد هذا التاريخ العربي بشكل أساسي. عندما نتحدث في سورية عن المقاومة فنحن نتحدث عن شيء معروف وموجود في كل بيت منوهاً إلى أنه من ناحية ثقافية لا يوجد كاتب في سورية  مهما كانت طبيعة ما يقدم من أدب إلا وله علاقة بفلسطين، وبمحور المقاومة، فكل الأدباء واللوحات تعمل من أجل فلسطين فسورية هي بيت المقاومة  بالمعنى الاجتماعي والاقتصادي، وحتى بالمعنى الأخلاقي.

الدور الفاعل في حضارة الإنسان
من جهته أكد الشاعر خالد أبو خالد على أهمية الثقافة قائلاً: “المقاومة ثقافة وانتماء” هذا يعني أن الثقافة من أصل النسيج الإنساني لشعبنا ولأمتنا ولتاريخنا، ومن دون الثقافة لا يمكن المقاومة، فهذه الثقافة تشكل الرافعة الأساسية لكل الشعوب في التاريخ، فنحن الذين أنتجنا الأبجدية والرُقم والرسالة التي لنا فيها الدور الفاعل والأساس في حضارة الإنسان، نحن اليوم نواجه أشرس هجمة واجهتها هذه الأمة التي غدت مهددة في مجرد بقائها لذلك علينا أن نقاوم بكل الإمكانيات بما في ذلك الثقافة.

لحظة استثنائية
كما رأى أحمد هلال أن أهمية هذا الملتقى تكمن في اللحظة المختارة فهي لحظة استثنائية في مواجهة سورية للإرهاب والحرب الكونية الشاملة عليها،ومدلولاتها واسعة وعميقة، وظلال هذا الملتقى في هذه اللحظة السورية الفارقة هي ظلال تاريخية لأنها تأكيد وتجذير لثقافة ومفاهيم فكر المقاومة.
جمان بركات – لوردا فوزي