سيلفيا كجه جيان وفرقة ميغري تستعيدان ألم الإبادة في مهرجان قوس قزح في الأوبرا
بقيت وحشية الإبادة هاجساً يؤرق الشعب الأرمني الذي أحيا الذكرى المئوية لها مؤخراً تحت شعار “أتذكر وأطالب” باعتراف عدد كبير من الدول بمفردة الإبادة ووحشية العثمانيين، وستبقى موضع المطالبة والمعاقبة كما قالت مغنية الأوبرا “آراكس شكيجيان” “أسامح بكل شيء إلا هذا الشيء” وتأتي مشاركة الأرمن في مهرجان قوس قزح في دار الأوبرا تأكيد على تجذر انتمائه إلى المجتمع السوري، لاسيما أن عدوهما واحد، وتعبيراً عن روح التعايش والتآخي بين الأقليات ككل (الشراكس، الأكراد، الأرمن،السريان) كأبناء بلد واحد يكافحون ضد الإرهاب.
وقد تميزت الأمسية التي أُقيمت أول أمس بحضور أرمني كبير مع شرائح من مختلف الانتماءات، وما قدمته يعكس الواقع الذي نعيشه، فما عاشه الشعب الأرمني نعيشه الآن في مواجهتنا الحرب التي تدعمها تركيا، فكانت ملامح الإبادة حاضرة بقوة من خلال أغنية افتتحت بها سيلفيا كجه جيان الأمسية، تلتها لوحة راقصة عكست ألوان أزياء الرقصات لون الحداد والدم، ليبقى اللون الأبيض يمثل الحلم بالأمان، وبدا تأثر الحاضرين واضحاً بمرارة الذكرى، لكن تأثرهم الأكبر كان مع لوحة الرقصة الجبلية ذات الموسيقا الصاخبة والإيقاعات السريعة، والتي ألهبت المسرح بروحها الحماسية التي تؤكد على قوة إرادة الشعب الأرمني وتصميمه على الحياة. والأمر اللافت اعتماد اللوحات الراقصة على الراقصات مع مشاركة راقصَين فقط في بعض اللوحات، والاهتمام بدلالة اللون على المعنى من خلال الأزياء. وفي منحى آخر كانت سينوغرافيا المسرح مستقاة من تاريخ الحضارات المتعاقبة عبْر الجدارية الحجرية المزدانة بالنقوش القماشية، وعكست الإضاءة القوية بالأحمر تاريخ الشعب الأرمني.
أحارب بالغناء
كانت “البعث” حاضرة في الأمسية وقد استطلعت بعض الآراء حول التراث الأرمني والوقفة الأولى كانت مع المغنية سيلفيا كجه جيان التي درست فنّ الغناء الأوبرالي في مدرسة مغنية الأوبرا آراكس شكيجيان، وعملت على نشر الأغنية الأرمنية من خلال مشاركاتها في المهرجانات المحلية والدولية إضافة إلى غنائها بالعربي، وأضافت بأنها اختارت مجموعة من الأغنيات القديمة المستمدة من التراث الغنائي الأرمني لقصائد كتبها ولحنها وغناها شعراء التروبادور، مع المحافظة على روح الأغنية وعدم المساس باللحن، بالإضافة إلى مجموعة من الأغنيات العاطفية المسماة (آشواغادول) مع أغنية الإبادة (سيرسفانكون) التي تأخذ الطابع الديني الكنسي. أما عن مسيرتها الفنية واللون الذي تميل لغنائه فقالت: أميل إلى الأغنيات العاطفية وانطلقت من عالم الفيروزيات، وسبق أن قدمت تجربة مزدوجة للغناء الأرمني والعربي معاً من خلال أغنيات أرمنية مع مقاطع من أغنيات عربية مقاربة لروح الأغنية الأرمنية، لكنها ليست مع الترجمة الحرفية للأغنية الأرمنية التي تمتاز بخصوصيتها وهويتها. وأكدت على أهمية مشاركتها في هذا المهرجان الذي يجمع الأقليات، وبأن كل إنسان يحارب من موقعه وهي تحارب بالغناء.
الاختلاف بين القروي والشعبي
وأوضح مدير فرقة جيرو إحدى فرق الرقص الأرمني جيرو كجه جيان أن الرقص الأرمني فن عريق، ويتميز بأناقة الأزياء والحركة السريعة، واختلاف الرقصات بين الرقص الكلاسيكي والشعبي والقروي الذي يتفرع إلى رقصات خاصة بكل قرية لكن ضمن المنحى العام للفلكلور الأرمني، وأضاف بأن الرقص الأرمني يتطلب إحساساً عالياً من الراقص حتى يتمكن من تنفيذ الحركة، وعلق على رقصة الإبادة التي توحي بالتحدي والمقاومة، وهذا ما يعيشه الشعب السوري بكل أطيافه.
الاهتمام بفلكلور الأقليات
كما شاركت السيدة ماري اسدغيك استباتيان وهي من أبناء الجيل الثاني بعد الإبادة مديرة ومؤسسة فرقة ميغري التي تأسست بجهود اللجنة النسائية التابعة لجمعية الجيل الجديد للثقافة والفنون في دمشق عن الفرقة التي كانت قبل الأزمة تضم مئة عضو من ثلاث فئات عمرية، وعن مشاركتها في مهرجانات عالمية وحصولها على جائزة من وزارة الثقافة الأرمنية عام 2011، وتابعت أن دعوة الفرقة للمشاركة في هذا المهرجان شكلت فرحة كبيرة للجميع، وشكرت وزارة الثقافة على اهتمامها بفلكلور الأقليات، وأن هذه المشاركة منحتها لإرادة والتصميم على المتابعة بعزيمة أقوى، وستعمل على تقديم عروض الفرقة في الأماكن الرسمية الممثلة بالمسارح والمراكز وفي الأماكن الخاصة بالنوادي والجمعيات، ثم تحدثت عن تصميم الأزياء والتطريزات والألوان كونها المصممة. وفيما يتعلق ببرنامج الأمسية قالت: قدمت الفرقة رقصة دله يامان وتعني رقصة المعاناة التي يعرض التلفزيون العربي السوري موسيقاها مع صور التفجيرات والاشتباكات، ورقصة شجرة الحور “الخلود” ورقصة جبلية وجورجية وشالاخو ورقصة البنات النواعم.
وتحدثت مدربة الرقص آزاد سفريان التي قدمت رقصة إفرادية اسمها “كمنجة” عبّرت فيها عبر انثناءات جسدها وحركات يديها عن المعاني الروحية المنسابة من وتريات الكمان الرقيقة، ودل ثوبها البنفسجي على طيف الحلم والحب الساكن في الأعماق والأمل المنشود عن خصوصية اللون في كل رقصة، وعن تأثرها بإعجاب الجمهور الذي انتظر عرض الفرقة طويلاً بعدما توقفت أثناء الأزمة، وأكدت أن مهرجان قوس قزح الذي يحمل بين ألوانه المحبة لسورية سيكون انطلاقة جديدة للفرقة.
تراثهم تراثنا
انطباعات الجمهور كانت جيدة حول الأمسية لكن بعضهم لم ينسجم مع الأغنيات لأنها تغنى بلغة غريبة، وآخرون أبدوا سعادتهم لاطلاعهم على ثقافة الآخر الغنائية، وأشادت د.أيسر ميداني بفكرة المهرجان التي نقلت صورة عن خصوصية تراث كل أقلية من الأقليات التي غدت جزءاً من المجتمع السوري، وبرأيها أن تراثهم هو تراثنا، فلا يمكن أن نجزئ تاريخنا الذي يجمعنا ونقزمه، وأثنت على الرقص الأرمني الذي رأت فيه روح التسامي وتخيلت -كما ذكرت- أن الراقصات فراشات تحلقن في الفضاء. أما الباحث وضاح رجب باشا فأعجب بالموسيقا الأرمنية التي وصفها بالانسيابية كونها تعتمد على إيقاع الفالس وتستخدم آلة المندوليا قصيرة الزند، وعلى آلة الأوركوديون في الرقصات الجبلية، وبرأيه أن تقنية (البيلي باك) أضاعت جزءاً كبيراً من إحساس المغنية إذ سجلت المغنية الأغنيات بالأستوديو لعدم وجود فرقة.
ومن الجمهور الأرمني أشادت سوسي هونانسيان بالرقصات التي أظهرت جمالية الرقص الأرمني، خاصة رقصة السيوف التي تحمل بين حركاتها روح الحماسة والمبارزة التي نحتاج إليها في وقتنا الحالي، وأثنت على دور الفن الذي يبقى اللغة الوحيدة التي تجمع العالم على المحبة والإخاء.
الموسيقا دوّنت تاريخ الأرمن
وللتعرّف على الموسيقا الأرمنية تحدثت البعث مع الأستاذ ميساك باغبودريان وهو من أبناء الجيل الثالث بعد الإبادة إذ قال: الموسيقا الأرمنية مثل موسيقا كل الشعوب تعرضت للتغييرات نتيجة التجاور، فتأثرت بالموسيقا البيزنطية والفارسية والكردية والسورية -السريانية، وتقوم على المقامات وتعتمد على التقاسيم، وقد عبّر الشعب الأرمني من خلالها عن تاريخه وارتبطت بكل المراحل التي عاشها، خاصة في أغنيات المترافقة مع الحرب ضد العثمانيين وكثرت المعاناة في أغنيات انتظار الأم ابنها واستشهاد الأبطال، ثم اتخذت منحى آخر بعد الإبادة نتيجة هجرة الأرمن فنشأت أغنيات الحنين، وتابع حديثه عن آلة الدودوك التي دخلت الموسيقا الأرمنية المصنوعة من خشب المشمش والمعبّرة عن الحزن الشديد، وعن اعتمادها على آلات الموسيقا الشرقية العود والقانون والكمنجة، وأكد باغبودريان على الدور الهام للفن في الحفاظ على الهوية الأرمنية التي حاول العثمانيون طمسها، والحفاظ على التراث المادي واللامادي.
ملده شويكاني