ثقافةصحيفة البعث

من حديث الأبدية

 

تُرى من يحمل كثافة الأرواح، كشعاع الصباح طرياً، ونافذاً ككلمة تأتي من مستقبل الذاكرة، أتُراها نصوص قادرة على بث وجعها، نصوص القلوب تلك والأرواح الطاعنة في الحياة، فالنص لا يُكذّب أهله حينما يضرّج المكابد فتنة بوحه، فلسنا المأخوذون إلى غموض الجهات، بل الذاهبون إلى انكشاف كل متخيل أنيق اللفظ والمعنى.
تُرى من يسرج لغزالات الروح كل السهوب الممكنة، فلا عزلة للنصوص هنا إن أخذت خيط فتنتها ونسجت سجادتها الأموية لحفاة القلوب ندماء الجمر، هم هم من مشت خلفهم كل أيامنا، ومضوا كحروف النشيد الوطني، تزهو تحت الشموس، تُعيد رسم الخريطة بأحمر المعنى، ذلك هو دم السنبلة، وتلك هي دمعة الياسمين، آن للفرح أن يأتي مضاعفاً ليستولد من الموت آلاف الحيوات، الحيوات الطالعة من براءة الأناشيد، ومن كحل أيام عصية على الإمحاء، سوف تكتبنا ذات ذاكرة، تدون لحظاتنا، تدوزن قلوبنا، فلتكن إيقاع عصر جديد، قالت دمشق: إني الآتية ثوباً لكلماتكم، ثوباً للحياة وأنتم الماضون في إثر أزمنتي، وثراء ينابيعها وخصب لياليها/ الحكايات، قال الجندي: مازلت على هيئة وطن، ولي من الأسماء ما شاءت اللغة البصيرة، وقالت أم الشهيد: الأرض أنا ليس لي وقت لأعد السنابل، بل لأعطيها، وأغدق في العطاء، فأنا النهر المتدفق بلا ضفاف، وقالت الكلمات: نشهد الآن بعد الصلب قيامة وأكثر… المسكونون بالحياة لا بالموت، والمتعطشون لها، اللائذون بموائد الجمر، لم يغادروا، صاروا المكان، فكم نزفهم عشقاً ووجداً ارتجالات حياة، وقالت اللغة: إني معراج النصوص وعلى صهوتي لا فرق بين حبر/ دم، لا فرق بين شاهد وشهيد، كلاهما على درب الجلجلة، المصلوبان والذاهبان لقيامة أخرى، المضرجة بما يكفي نرجستان نمتا في النشيد، واستقامت ظلالهما طريقاً لحروف الصباح، بما يكفي وردتان، للعذارى قميصاً لقلبيهما المطمئن، بما يكفي أغنيتان لمن زنر الحدود بجسد/ مكان.
قال العازف وللحن صهيل في أصابعه: باللحن الشجي أكتب منمنمات عشق، معلقة على تلك القلوب المتعبة، فتنهض كما نجمة الصبح، مواسية أزمنتها.
وقال صانع الفرح: حسبي أنني أصنع ما يشبهني تماماً، قليلاً أو كثيراً، لتعبر تلكم الأرواح كما عبرت في حروف النشيد، تعبر أنهار البيلسان، والشقائق منهن، ناموا قليلاً وفوقهم تفجرت كل الينابيع ندية.
تُرى من يحمل كثافة الأرواح، نصوص على وشك الشغف وأوان الياسمين، نصوص ظلت في مجمر اللغة ترتجل ذلك الفرح الطليق، رغم ألف نزيف وردة ووردة، صارت النصوص بلاداً كثيفة الأشجار، واقفة وإن احترقت، تماماً كذروة الإيقاع في القصيدة، والقصائد بشر حالمين بغدهم، وهم الآتون من غدهم، ليسوا الذاهبين إليه فحسب.
وللكاتب/ الضمير، من يتقرى ناره المطفئة، من يرنو للتعدد فيتم دورة الخلق وتنسم الفردوس، أن يكون في قلب الحكاية، لا بل هو الحكاية ذاتها، حينما تتصادى فيها أصوات الراحلين والباقين، فقهاً للجمال، لكن الجمال لا يُعرف بغير الحق ليصبح خيراً طليقاً.
وقالت الروح السورية: إني الوعد بالجمال، لا يُستنفد منذ ألف الحضارة ونون اللغة، شآم اللغة والحروف، وأبجديات التهجد، صلوات نانرجة البيت، فكم عتقت حجارته أصابعهم، (والملح من أثر الدمع) صار ملحاً لأيامنا.. يا يمام الأموي.. يا لرسائلك كل صباح، كيف تغسل بها القلوب والكلمات، فكم لإسرائك ألف معنى مضيء، ألف كلمة وأجملها لم يكتب بعد، لتعود عشتار وزنوبيا، ينحنين لحاملات الجرار، ويقرأن في ضوء أرواحهن رُقَم أيامنا.
وقال اللوح المحفوظ: مازلت في إثر الكلام، في إثر الحنين لتنجو الأرواح، وتعيد تدوين الحكاية السورية، لتعم القيامة.

أحمد علي هلال