قراءة في مجموعة “ نداء من بعيد” الشعرية

إلى لقياكِ يا سندي/ فكيف وأنتِ مني الروح /تبتعدي /وكيف وكيف وكيف /لا تأتين /إن تعدي51/
هذا هو الشاعر نبيه عبد الحميد حسن في مجموعته الشعرية “ نداء من بعيد” يخاطب المرأة, الأنثى في قصيدته “وطن من وهم”. يتضح من المقبوس السابق وعنوان القصيدة أن هناك علاقة ملتبسة بين المرأة والوطن لدى الشاعر, كلاهما لهما نفس المعنى/ وطن/. وبسبب هذا الالتباس في العلاقة يصعب على المتلقي فك اللغز خصوصاً حين يكون عنوان القصيدة موجهاً للمرأة, بينما تكون القصيدة مكرسة للوطن, كما في قصيدة “زوجتي45”
/ سأعود كالمفقود من وطني /إلى وطني../لألثم جرحه الدامي /وأحمله على صدري /أهدهده لكي يغفو/فتولد فيه أيامي/
إنها بالتأكيد حالة الالتباس الدائمة بين الوطن والمرأة, كلاهما وطن, حين يقسو عليه أحدهما, فإنه يجد العزاء والطمأنينة في الآخر.
ثم ولأن الشاعر صاحب همّ مصدره الوطن, فليس غريباً عليه حين تتلبسه وتستحوذ عليه فكرة الوطن, التي تصبح هاجسه الدائم لذلك يصبح ذو بصيرة يرى ما لا يراه غيره, فتتحول رؤياه إلى نبوءة, وذلك حين يخاطب الوطن مباشرة دون الاختباء خلف قناع المرأة/ فيا وطناً../يعاتبني على وجعٍ /أخاف عليك من قدمٍ /تدوس مواطن العفة /ومن أنثى/تقدم نهدها عشقاً /لأشباه الرجالات83 /.
والذي يجعله يقرأ الواقع جيداً, ويتنبأ, هو هذا التاريخ القريب, حيث غزو بغداد2003 /بغداد.. /ما هذي الزغاريد /وثوب العرس أحمر109 /
يضاف إليه التاريخ البعيد, حين يقرأ شموخ زنوبيا وما ترمز له من فخار.
هي أنثى/وأقرأ في أنوثتها /شموخاً تاه عن وطني/وريحاً أصبحت عاقر/
أغنيها بصوت بُح من خجلٍ/ وأغفو فوق زنديها وأحلم أنها عادت113/
مما لا شك فيه أن درس بغداد القريب ذكَّره بدرس زنوبيا البعيد. ثم إن هذا الترابط بين المرأة والوطن نلمسه في هذا التناص الذي يلمح إلى حدث بعيد, سارت فيه الجيوش تلبية لصرخة امرأة, ولقنت المعتدي درساً لا ينساه. أما الآن فلا أحد يسمع أو يلبي النداء.
صرخت أنثى تستنجدهم /داسوا فوق طهارة أنثى /نادت وا… من ينقذ عرضي59/
مما لا شك فيه أن نداء هذه المرأة الآن, هو نداء الوطن على أبنائه, ولكن للأسف لم يسمعوه, لأنهم أضاعوا درس الماضي. أيضاً يتطابق النداء هنا مع عنوان المجموعة “نداء من بعيد”, الذي يحفر عميقاً في نفس الشاعر, ينادي وينادي, لكن لا أحد يلبي. /صدئت أماني العمر/ صارت /مثل قنديل المساء /والصوت لا يلقى صدى69/
وهكذا يكون هذا الصوت, وهذا النداء, صراخ في برية الكون, لكن دون جدوى. إلا أنه بالرغم من الجرح النازف, وانكسار الحلم, فإن الشاعر نبيه عبد الحميد حسن لا ييأس, ويبدو أنه سيبقى يلاحق حلماً يفر منه, ووطناً يبتعد عنه, وأنه رغم كل النكسات سيبقى يصرخ ويحفر في جدار الصمت, ربما سيسمعه أحد. /لا تلمني يوم أغزو الأرض /بحثاً عن سليمى/ وسليمى.. ضوعة العطر/ ونهر من حنان ومودة97/
بالتأكيد سليمى هنا ليست سوى الفكرة العصية, الفكرة المتسامية, والروح الصوفي, بمعنى آخر هي الوطن, ولأن سليمى لديها كل هذه المواصفات, فإنه لن يتخلى عنها, لأنها حلمه الذي حين يجده, يقول: سأفرح يوماً/ سأفرح… /يوم ينام البكاء /وتغفو جراح بوسع السماء /سأفرح /بل سأغني الحياة /وأزرع موتي ابتساماً وماء68/
هو واثق من أن حلمه هذا الذي لاحقه طويلاً سيتحقق يوماً, وعند ذلك سيكون مستعداً للتضحية, للشهادة, بعد أن يرى حلمه وقد تحقق.
*”نداء من بعيد” مجموعة شعرية للشاعر نبيه عبد الحميد حسن/ صادرة عن دار الينابيع/ دمشق 2005
عماد الفياض