ثقافة

الشهيد خالد الأسعد.. كأنّكَ في فَمِ الزّمَنِ ابتِسامُ

أتخيله جالسا على كرسي من مرمر  بين أعمدة تدمر المهيبة، تشرق شمس زنوبيا وتطالع نظراته، فيتوضأ بحبه لهذه البلاد التي منحها حياته بكل ما للكلمة من معنى، عن يمينه تقف قلعة تدمر تحرس الزمان، وعن شماله يتدفق التاريخ السوري العظيم من اللقى والمحفوظات التاريخية التي خطها سوريون في ماض من الزمان ليخبروا عن الآتي منه، يبتسم لكل حبة رمل تحملها نسمات الصبح العليلة في البادية السورية، تمر أمامه وتسلم عليه، فالرجل يعرف تلك البادية كما يعرف تجاعيد وجه أمه، وتخبره حجارتها عن أحوالها في مطلع كل شمس فيربت عليها كما ربت على  أولاده يوما، والأعمدة المهيبة التي شغفته حبا، هاهو اليوم على أكتافها مرفوعا كصبح لا يريم. بعد كل أدوات الاستنكار والاستغراب والدهشة، يقف السؤال على مطلع الكلام وكأنه مدية تجرح عند كل حرف: تُرى لماذا أقدمت وحشية “داعش” على ما فعلته بالراحل الكبير “خالد الأسعد”؟ الرجل الثمانيني الذي كان ينتظر ربما موتا هادئا أليفا يليق بمن أمضى حياته يعيد الحياة لتاريخ بلاد مجيد كان مدفونا في غارق  رمل بادية تدمر؟ وأي مستقبل ينتظر كل من راهن على مغول وتتار هذا العصر من هذه الضباع البرية التي ربما تأنف حتى الضباع المشهورة بأكلها لجنسها، لفعلتهم الشنيعة بخستها وقلبها العامر بالحقد والموت؟
على التلفاز وقف دجالو العالم ومنافقوه من فرنسي وأمريكي وانجليزي، يستنكرون ما حدث؟ اليونسكو استنكرت وشجبت، بان كيمون كعادته قلق، واشنطن وضعت ذنبها بين قدميها ودفنت فيلادلفيا رأسها بالرمل، فابيوس كرجت من فمه “الأو والنو” ولم يكن ينقص جوقة الكذب والشؤم هذه إلا أن يخرج أمير داعش الحقيقي “سلمان بن عبد العزيز” ليستنكر بدوره، لكن قاتل أطفال اليمن ينعق من خرابة أخرى مشغولا بأكل لحوم اليمنيين، نعم خرجت شلة المجتمع الدولي لتشجب وتستنكر، لكن ما عجزوا عن إخفائه هو دماء “خالد الأسعد” ودماء كل السوريين التي كانت بينة وجلية على أيديهم وبين أنيابهم، تلك الدماء الذكية وقفت لتخبر عمن سفكها ودلت عليه، فهل من سبق ذكرهم إلا داعش بأمها وأبيها؟ وهل من يربي الوحش في حديقته الخلفية، يخشى حقا على أزهارها من مخالبه الجاهلة؟             خالد الأسعد بقسماته الهادئة وملامح وجهه الأليفة التي تفصح عن مكنونات روحه، قضى في المكان الذي لم يغادره حتى وهو يدرك أن من جاؤوه بالذبح لن ينظروا لتاريخه العلمي والإنساني إلا بعين الكره والحقد الأعمى، فهذه طبائع السوريين في كل  شبر من وطنهم، وهذه عناوين كرامتهم، من تراب سورية جئنا وإليه نعود وتدمر أو البلد التي لا تقهر “معناها في اللغة الآرامية” لن تكون إلا سورية كما كانت منذ آلاف السنين، وهذا الزمان بيننا يا حفدة الضباع وآكلة قلوب الأنبياء.          المجد لأرواح شهدائنا البررة والإيمان كل الإيمان برجال جيش سورية العظيم، بسواعدهم التي ترفع كل يوم الصبح فوق أعمدة تدمر وفوق كل ربا سورية، وطنٌ يحارب لأجل الإنسانية وعن كل الإنسانية بكل أبنائه الصغير منهم قبل الكبير، والعجوز منهم قبل الفتى.
تمام علي بركات