ثقافة

صورة الشرق عند شكسبير

قيل الكثير عن استفادة شكسبير من الثقافات العالمية, ومقدرته على توظيفها في مسرحياته, وخصوصاً استفادته من الأحداث التاريخية المعروفة, واستخدامها بطرق جديدة, مُدخلاً عليها تقنيات لم يسبقه إليها أحد. وإذا سألنا ما هو نصيب الشرق, وكتحصيل حاصل العرب من مسرح شكسبير؟ فإننا نجد ذلك في مسرحيات, “عطيل” و”تاجر البندقية” و”أنتوني وكليوباترا”. ولو تتبعنا صورة الشرق في كل مسرحية على حدة, سنكتشف أن شكسبير كرَّس مسرحية “عطيل” بالكامل لنبش شخصية عُطيل, هذا الذي أصبح عنواناً للمسرحية. لكن من هو عطيل, وكيف قُدم في المسرحية؟ عطيل قائد عسكري مراكشي, تم تقديمه على أنه إنسان متهور, طائش, ذو تقاطيع خشنة قاسية وبشرة سوداء, يعوزه الفهم والبصيرة, يعتقد أن القوة والعضلات هي الأساس, ليس لصوت العقل لديه أية أهمية, يصغي دائماً للنميمة والدسائس, أعمته الغيرة عن الحب الصادق الذي تحيطه به زوجته. باختصار لقد قام شكسبير بتقديم عُطيل بصورة سلبية, لا يرى إلا غرائزه, وقوته وبطشه, إلى أن كانت النتيجة المرة أنه قتل حبيبته وزوجته المخلصة ديدمونة. وهكذا يمكن أن نفهم الشخصية المشرقية أو العربية في “عُطيل” على أنها شخصية ثأرية, ليس للعقل قيمة لديها ولا تتورع عن قتل أقرب الناس إليها.
ولو أتينا إلى مسرحية “تاجر البندقية” سنكتشف أيضاً أن صورة الشرق فيها مثار تساؤل أيضاً, رغم تقديمها بشكل سريع ولم تأخذ حيزاً كبيراً من المسرحية. لقد تم تقديمها عن طريق شخصية أمير مراكشي, كان من جملة المتقدمين لخطبة بورشيا, المرأة الجميلة التي ترك لها والدها ثروة طائلة, واشترط لزواجها أن يقوم من يتقدم للزواج منها باختيار واحد من الصناديق الثلاثة التي وضع فيها صورتها. المشكلة أن هذا الأمير المراكشي تم تقديمه بصورة مضحكة وكاريكاتيرية, أولاً حين دار حديث بينه وبين بورشيا, حيث رفع سيفه وأخبرها بأنه بهذا السيف انتصر على الملوك, وبفضل هذا السيف أيضاً لا يخشى الحيوانات المفترسة, ولم ينس أن يخبرها أيضاً بأن بشرته سوداء بسبب الشمس. ثم ثانياً وهو يتقدم لاختيار الصندوق, نشاهده يتقدم مع حاشيته بكامل أبهته, بينما يسبقه صوته, الذي يرتفع فوق الجميع, مستسهلاً حل اللغز, قائلاً أنا الأمير المراكشي الذي سيختار الصندوق الصحيح, لكن النتيجة لم تكن سوى الخيبة, بسبب اختياره الصندوق المصنوع من الذهب, ظناً منه أن صورة بورشيا موجودة بداخله. وهذا دليل على أن الأمير المراكشي لا يحتكم لصوت العقل وإنما يركض وراء المظاهر. يمكننا القول أنه بالرغم من المرور السريع لصورة الشرق في مسرحية “تاجر البندقية” فإن شكسبير يقدم من خلالها المشرقي, أو العربي على أنه إنسان تنقصه البصيرة والحكمة, يعتمد على الأبهة الفارغة, ولا تهمه سوى المظاهر فقط.
أما في مسرحية “أنطونيو وكليوباترا” فإن شكسبير يقوم بتقديم صورة الشرق عن طريق بطلة المسرحية, الملكة كليوباترا التي تقوم بإغواء أنتوني, وتستدرجه إلى مصر, وتجعله ينسى زوجته ويهمل واجباته كقائد, ويتبع رغباته. يتم تقديم كليوباترا في المسرحية على أنها مصدر إغواء وشبق. ويصفها فيلو في المسرحية بذات البشرة السوداء, مثل باقي الشخصيات المشرقية: عطيل والأمير المراكشي. بالإضافة إلى أن فيلو وصفها لصديقه ديميتريوس, بالبغي, التي  تحول لديها أنتوني إلى أحمق. بينما يصفها الرومان بالغجرية, قائلين أن قلب أنتوني أصبح الوسائد والمروحة لتبريد شبق الغجرية.
أخيراً, السؤال المطروح الآن, هل هذا هو موقف شكسبير من الشرق وبالتالي العرب والمسلمين غير المعلن صراحة في مسرحياته, هذا مع التأكيد على أن شكسبير كمبدع بقي على مسافة مما يدور من أحداث في مسرحياته, فهو دائماً ينأى بنفسه عن أي موقف سواءً مع أو ضد, ويبقى على مسافة من الجميع, وما نلمسه ونجده دائماً في أعماله المسرحية هو موقف ورد فعل الشخصيات من خلال صراعها وصعودها وهبوطها. لكن إذا كان لشكسبير موقفاً من الشرق, وذلك من خلال تقديمه للشخصيات المشرقية على هذه الصورة من التهور والطيش والدسائس والشهوانية والشبق, هل بإمكاننا أن نسأل, هل هذا هو موقف شكسبير غير المعلن من الشرق, وأن هذا الموقف قد أثار خيال المستشرقين, وأسال لعابهم, ومهد فيما بعد لجيوش الاستعمار؟
عماد الفياض