في اليوم الأول لتسلمه رئاسة اتحاد الكتاب العرب د.نضال الصالح: الاتحاد علامة في المؤسسات الثقافية في تاريخ سورية
على الرغم من قناعته أن الإعلان عن المشاريع القادمة للاتحاد ما زال باكراً إلا أن المرء لا يمكن أن يخرج من عند د.نضال الصالح الذي انتُخِب مؤخراً لرئاسة اتحاد الكتّاب العرب إلا وهو محمَّل بطاقة إيجابية، وبشحنة عالية من التفاؤل بمستقبل أفضل على الرغم من المنغصات الكثيرة التي تحيط بنا، ومدركاً أن ما هو قادم سيكون أجمل، خاصة وأنه لم يكن بعيداً عن مؤسسة الاتحاد فهو كان عضواً في مجلسه في الدورة التي مضت، وبالتالي يعرف تماماً ما الذي كان يحدث وما هي آليات الأداء بالتفصيل، وهذا يعني أنه ابن هذه المؤسسة، ومع هذا لا يدّعي د.الصالح بأنه صاحب قرار، بل المكتب التنفيذي بوصفه مؤسسة هو صاحب القرار، وبأن عمله يكمن في إدارة صناعة هذا القرار، مؤكداً بأنه لا يرضى لنفسه أن ينفرد بصناعة القرار لأن الثقافة فعل جماعي تشاركيّ، مشيراً في بداية حوارنا معه في اليوم الأول لتسلمه رئاسة الاتحاد إلى أنه تشرّف بثقة الزملاء والزميلات في اتحاد الكتّاب العرب، وقد كان ذلك وساماً حقيقياً يعلقه على صدره، شاكراً القيادة السياسية تثمينها لإرادتهم.معركتنا ثقافية وعسكرية
ويعترف د.الصالح وهو الذي كان قد أنجز الكثير على المستوى الشخصي في مجال الثقافة العربية عامةً وحقق حضوراً يعتز به عبر ربع قرن من الزمن، بأنه يجد الآن نفسه أمام محطة شديدة الوعورة والبهاء في الوقت ذاته، وهي تجمع بين مستويين يبدوان متناقضين لكنهما بالنسبة له يمثلان تحدياً حقيقياً، موضحاً د.الصالح أن ثمة أحلاماً ومشروعات كبرى سيحاول الاتحاد ترجمتها إلى حقائق على الأرض من خلال تحقيق قيمتين في أدائه، الأولى خدمية للزملاء أعضاء الاتحاد والقيمة الثقافية لهذه المؤسسة التي تمثل علامة ناصعة البياض في تاريخ الثقافة السورية، فهاتان القيمتان بالنسبة له تبدوان اختباراً حقيقياً له ولزملائه في المكتب التنفيذي من خلال ترجمتها على أرض الواقع، مشيراً إلى أن سورية تخوض الآن حرباً استثنائية في تاريخها، وهذا يتطلب أداءين متوازيين، أداء عسكري يستطيع أن يحقق إنجازات على الأرض في مواجهة الظلاميين الذين تدفقوا إلى الأرض السورية من مختلف بقاع الأرض، والأداء الثقافي لأن المعركة كما هي عسكرية هي معركة ثقافية أيضاً، وبالتالي على المثقفين أن يضطلعوا بالدور الذي اضطلعوا به منذ أن بدأت هذه الحرب تنشب أظافرها في الجسد السوري، مطمئناً د.الصالح إلى أن الاتحاد سيفعل أشياء جديرة بالتقدير والأهمية، منوهاً إلى أن إرادة عالية تملأه على المستوى الشخصي بأن هذه المؤسسة ستمضي قُدماً إلى الأمام، مؤكداً أن ما أنجزه الزملاء في المكتب التنفيذي السابق هو موضع تبجيل وتقدير على المستويين الأدائي والإنسانيّ، مبيناً أنه والمكتب التنفيذي سيبنيان على هذه الجهود لإيمانه بأن فعالية البناء هي الأكثر إثماراً وتقديراً لقيمة الآخرين ومكانتهم، وبهذا المعنى يشير د.الصالح إلى أن ثمة الكثير مما ينتظرهم في مؤسسة الاتحاد ليكونوا جديرين بهذه الثقة التي منحتها إياهم القيادة والزملاء، مؤكدين أنهم لا بد وأن ينجزوا نصراً في مجال الثقافة، كما سينجز الأباة الحماة نصراً في المجال العسكريّ.
ثقافة المشاركة
وعن سبب تفاؤله بأن الأمور في الاتحاد ستجري كما يشتهي هو والمكتب التنفيذي وأن مشاريعهما لا بد وأن ترى النور، منبعه على المستوى الشخصي أولاً أنه غالباً ما وضع نفسه أمام تحديات في حياته، وكان كل تحدٍّ بالنسبة له اختباراً حقيقياً لإرادته ورغبته في إنجاز شيء يمضي به إلى المستقبل، فكان أول من حصل على درجة الشرف في الدراسات العليا في الجامعات السورية لتتتالى فيما بعد التحديات الأخرى، منوهاً إلى أنه استطاع خلال ذلك أن يثبت لنفسه بالدرجة الأولى أن الزمن لا يعرف التوقف. من هنا يمضي دائماً إلى المستقبل بعينين مترفتين بالثقة بأن المستقبل أجمل من الحاضر وأبهى مما سبقه. ورغم الظروف الصعبة والتحديات المضاعفة اليوم يؤمن د.الصالح بقيمة تمثل بالنسبة له جزءاً من منظومة الوعي في حياته وهي ثقافة المشاركة التي تبني حيث لا يستطيع أحد برأيه مهما ادعى السوبرمانية أن يفعل شيئاً لوحده، لذلك يتمسك بها بشكل لا يوصف ويثق ثقة مطلقة بترجمة هذه القيمة إلى حقيقة ومادة ملموسة ناطقة بالحياة، مشيراً إلى أنه يمكن تجاوز كل التحديات من خلال تحقيق الزملاء في المكتب التنفيذي لثقافة المشاركة مع الجهات التي لها علاقة بالشأن الثقافي كوزارة الثقافة ومكتب الإعداد والإعلام في القيادة القطرية والمؤسسات الثقافية الأهلية، لتشكيل بوتقة تنصهر فيها كل الجهود التي يمكن أن تنجز ما يطمح إليه الاتحاد، وبالتالي فإن هذه الجهود مجتمعة يمكن أن تنتصر على مجمل التحديات، مؤكداً د.الصالح أن رئيس الاتحاد لوحده لا يستطيع أن يفعل شيئاً، كما لا يستطيع ذلك المكتب التنفيذي، مستبشراً بأن الأرخبيل الثقافي السوري سيكون دفّاقاً بالعطاء.
وعن الفرق بين الفعل الثقافي وإدارة هذا الفعل يرى د.الصالح أن الفعل الثقافي فردي بامتياز وهو خيار شخصي يخص الذات الثقافية غير المعنية بإرادة الجماعة، لكن عندما تمضي هذه الذات من حيز أحلامها الشخصية لتصنع فعلاً ثقافياً، هنا نتحدث عن إدارة في الفعل الثقافي التي هي برأيه إدارة تشاركية ليست منوطة بشخص وبأحلامه ورؤاه ووجهات نظره وطريقته في الأداء، وبالتالي عدم وجود تشاركية حقيقية في الفعل الثقافي يجعل هذا الفعل كما يشير منقوصاً ونتاج شخص وليس عملاً جماعياً، مؤكداً أن الفعل الثقافي هو عمل جماعي بامتياز.
القيمة العلمية
وعلى الرغم من أن النرجسية عند المبدع قيمة تكاد تكون لازمة عند الكثير من المبدعين، وهي برأي د.الصالح ليست قيمة سلبية كما يعتقد البعض، إلا أن الوقوع في هذا المطب بالنسبة له بعد تسلمه رئاسة الاتحاد أمر غير وارد لأننا عندما نقرأ المسار الثقافي لـ د.الصالح نكتشف أن ثمة تحولات مهمة في حياته على المستوى الشخصي في مجال الثقافة، منوهاً إلى أنه بدأ شاعراً فقاصاً فروائياً، وعندما أنجز رسالته في الدكتوراه وجد نفسه أمام حائط لا بد من أن يقوضه لكي يمضي إلى ما وراءه، فكانت كتابته في مجال النقد الأدبي الذي هو علم ينهض على مجموعة من النظريات والقوانين، أي أنه ليس فعلاً اعتباطياً أو فردياً أو نرجسياً لأنه يخضع لمجموعة من المعايير التي تشترك في ما بينها لتنتج الفعل الثقافي، لذلك يؤكد أنه كناقد عندما يتناول مادة إبداعية يغيب المبدع فيه ويتقدم الناقد الذي يشتغل على أسس علمية، فيقارب النص مقاربة علمية، مبيناً أنه اختار أن يخلص للعملية النقدية منذ 15 عاماً، أي أن عقله الآن يتوجه نحو القيم العلمية وليس الإبداعية المنفلتة من أي ضابط.
الصمت قيمة انتهازية
وبعد نحو خمس سنوات من النزيف على المستويات كلها في سورية يبيّن د.الصالح في كلمته التي وجهها إلى الكتّاب السوريين عبر هذا الحوار أنه مطلوب من المثقف أن يتخلى عن كل شيء يمكن أن يكون مضاداً لانتمائه لوطنه، فسورية برأيه تطلب من أبنائها أن يكونوا بررة بسوريتهم وهويتهم وذاكرتهم، وبالتالي ليس مطلوباً من الكاتب السوري سوى أن يكون شاهد حق على ما يجري بحق وطنه، وشهادة الحق بتقديره تؤكد أن ما يتعرض له الوطن لم يتعرض له مجتمع من المجتمعات بمثل هذا التوحش والظلامية والحقد. من هنا فإن الذاكرة السورية والهوية المميزة يجب أن يحفظ لها المشتغلون في الثقافة بشكل خاص بهاءها وزهوها وقيمتها التي لا يمكن للزمن أن ينال منها.
وعن أداء المثقف السوري خلال الأزمة يوضح د.الصالح أنه لطالما قام بعملية ضبط لإيقاع المثقف السوري خلال الأزمة، وقد وجد أن ثمة أشكالاً متعددة ظهرت في أداء المثقف وموقفه وعلاقته بما يحدث في الجسد السوري، مبيناً أن هناك أداءً عبّر عن انغمار حقيقيّ بما يحدث في سورية، فمضى الكثير من المثقفين إلى الدفاع عن هويتهم وسوريتهم، بمشاركة البندقية أداءها ضد هذا الذي يحدث في سورية، أما الشكل الثاني لهذا الأداء فيتمثل برأي د.الصالح باختيار بعض مثقفينا الصمت الذي يرفض أن يسميه حياداً، وهو برأيه انتهازية وانتظاراً لانتصار طرف على آخر، وبالتالي فإن الصمت هنا قيمة انتهازية لأنها لا تشير إلى قيمة ثقافية لأن الثقافة هي بالأساس موقف ووعي ورسالة ومشاركة، وبالتالي يبين د.الصالح أن المثقف إن لم يعبّر عن موقفه عندما يتعرض وطنه لكل هذه الهمجية فمتى يستطيع أن يفعل ذلك؟ أما الشكل الآخر من المثقفين الذي أفرزته الأزمة فهم أولئك الذين تورطوا ضمن مستنقع إيهام هؤلاء بأن أشهراً معدودة وسيحدث في سورية ما حدث في أجزاء أخرى مما سمي زيفاً بالربيع العربي، وهؤلاء يستحقون في رأي د.الصالح الرثاء لهم بوصفهم حالة غير صحية، ويقدّر أن عملية صحو ما، وبدرجات مختلفة وأشكال متعددة، بدأت تجهر بنفسها لدى هذا الكاتب أو ذاك، متمنياً أن تمتد هذه الصحوة فتشمل مختلف الكتّاب والمثقفين السوريين.
أمينة عباس