ثقافة

رسالة اعتذار من طائر الفينيق الذي لايموت مـلفـات الـقضـاء رُسـمـت بمـشهـديـة قـصصـية واقـعـيـة

يبدو التجديد واضحاً في أسلوب القاصة فاتن ديركي من حيثُ الشكل الفني بمجموعتها الجديدة “رسالة اعتذار من طائر الفينيق الذي لايموت”مقارنةً مع قصصها السابقة، التي كانت أشبه برواية صغيرة من حيث الامتداد الزمني وتعدد الشخصيات.
في هذه المجموعة اعتمدت الكاتبة على النصوص القصيرة نسبياً وعلى هيمنة السارد( بلسان الكاتبة) بضمير المتكلم، وضمن هذا الخط نلمح تضمين الشخصيات المساندة للشخصية الأساسية داخل المتن الحكائي للقصّ بما يشبه تعدد الأصوات.
تميّزت المجموعة بتنوع عتبات السرد، فبعض القصص كانت تقوم على مقومات عناصر القصة وتواتر التراكيب الإبداعية والأساليب البلاغية بين الخبري والإنشائي، وأخرى كانت أشبه بنصوص مفتوحة تتداعى فيها المناجاة الإلهية كما في قصة “أحبك” أو الشكوى من الذات والمحيط كما في قصة “همسة”، وبعضها كان أشبه بخاطرة ساخرة كما في قصة “أنا والبعوض”، لكن القاسم المشترك بين أغلبها كان مستوحى من إشكالات اجتماعية بقيت مفتوحة بمجتمعنا ومجتمعاتنا العربية دون إيجاد حلول جذرية لها،لاسيما أن القاصة محامية فتطرقت إلى الطلاق، والزواج المبكر،وتخيير الأولاد بين الأم والأب، والهجرة، التي أفردت لها قصة حملت عنوان المجموعة، وبقيت انعكاسات الحرب التي نعيشها على حياتنا وسلوكياتنا ممهورة بشكل غير مباشر يتعلق بالهجرة إلى المجتمعات الغربية.
مضت المجموعة بإطار القصة الواقعية واتسمت بمكاشفة العنوان في أغلب القصص التي فضحت أسرار القصة ودمجته بما يشبه التوطئة بسطور قليلة كانت جميلة جداً، تلخص مضمون الحكاية وفي الوقت ذاته تشدّ القارئ. لكن من الأجمل غرائبية العنوان الذي يحفز القارئ على تخيّل الحكاية والذي ينفذ من إحدى زوايا القصة، وقد افتقرت إليه القصص باستثناء القصة التي حملت عنوان المجموعة، وبقيت قفلة القصة في أغلب الأحيان منساقة مع المعنى العام بعيدة عن الإدهاش. السمة الواضحة أيضاً التي تحسب للمجموعة هي الجرأة الواضحة في فضح ملفات الفساد في أروقة القصر العدلي ومحاكمه، كما في قصة “تحكيم” التي تناولت موضوع الطلاق من الناحية الإيجابية بعيداً عن انعكاسات الطلاق السلبية على المرأة بغية الخلاص من الطرف الآخر الذي يلف حول عنقها قيداً يخنقها بدلاً من أن يكون قيداً من العطر والياسمين، والمفاجأة أن المرأة التي ترنو إلى الخلاص وتتمنى الحصول على حقوقها لأن الإساءة ليست منها، تتعرض للاستغلال الجسدي والمساومة من قبل المحكّم الشرعي “أغلقت حياة سماعة الهاتف وهي ترتجف من الغضب، لكنها شعرت بالارتياح بعد أن أخرجت شحنة الانفعالات المتراكمة في نفسها، تنفست الصعداء ثم مدت يدها إلى جهاز التسجيل الصغير وأخرجت منه الكاسيت الذي سجل عليه الحديث، حملته بعناية وقامت لتضعه في محفظة يدها، فغداً تقف أمام القاضي الشرعي الأول غداً تبدأ المهمة.في هذا المقطع يتجلى بوضوح تصوير المرأة القوية الفاعلة المدافعة عن حقها غير خائفة من المواجهة حتى لو كانت مع المحكّم الشرعي. وتمتد مشكلة الطلاق إلى قصة “تخيير” حيث تستعرض الكاتبة موقف الخيار بين العيش مع الأم أو الأب، وقد أرهقته المفاضلة كما أطلق عليها الطفل بطل القصة، الذي تألم مما شاهد في أروقة القصر العدلي بدلاً من أن ينعم بطفولة هادئة.
في قصة “رسالة اعتذار” التي عنوّنت بها المجموعة تحدثت عن مساوئ الهجرة والزواج من أجنبية، وهذا ينضوي أيضاً على الأوضاع الحالية وهجرة السوريين إلى البلاد الأوروبية، وما يعقبها من تبعات، كما حدث مع بطل القصة الذي فوجئ بهرب زوجته مع طفلته بعد عودتهم إلى أرض الوطن.
“رسالة اعتذار من طائر الفينيق الذي لايموت” صادرة عن دار  دورا أوربوس -144 ص من القطع المتوسط .تضمنت ستاً وعشرين قصة.
ملده شويكاني