إعلاميون ومثقفون
عماد الدين إبراهيم
لا بدَّ لي من التأكيد بدايةً أنني أكنُّ كل التقدير والاحترام لأهل الثقافة – وأزعم أنني واحد منهم – ولأهل الإعلام والصحافة، فأنا واحد منهم بحكم عملي، هذا التقدير ينبع من صميم قناعتي، فالثقافة وأهلها، والإعلام وأهله هم حملة شعلة الفكر والتنوير والحرية والأخلاق في كل زمان ومكان، أو هذا ما يُفترض أن يكون، وهم الذين يحترقون أولاً إذا ما ساد الظلاميون والتكفيريون وأدعياء أنصاف الآلهة الذين يعتبرون أنفسهم أوصياء على الناس، ومجتمعنا السوري هذه الأيام من أكثر المجتمعات معاناة من هؤلاء الظلاميين وأدعياء الدين والأخلاق الحميدة.
العلاقة بين المثقفين والإعلاميين علاقة وطيدة ومتينة، وهناك الكثير من أصحاب الأقلام الذين يجمعون بين الاثنين، ويقدمون نتاجاً متميزاً في المجالين، رغم أن هناك أدباء وشعراء يتذمرون من الصحافة وأهلها، ومن العمل فيها، ويعترفون أن فترة عملهم في الصحافة كانت على حساب أدبهم وإبداعهم، وهناك بعض آخر يبتعد عن الإعلام ويتفادى أي ظهور إعلامي أو صحفي، لا كرهاً وإنما رغبةً في الوحدة والعزلة والتفرغ لشؤون الإبداع والتأمل، أو بسبب موقف ما حصل معهم وجعلهم ينتبذون من الإعلام مكاناً قصياً.
بالمقابل هناك بعض الإعلاميين الذين يثقلون بظلهم على أهل الثقافة والأدب، ويكونون ملحاحين كذبابة قاضي البصرة، يريدون أن يحققوا سبقاً صحفياً دون مراعاة ظروف ومشاعر ورغبات الآخرين، ونحن بحكم عملنا الإعلامي نحاول جاهدين ألا نكون ثقلاء ملحاحين، أو سريعي النفور من حساسية أهل الأدب والإبداع، وهم معروفون بمزاجيتهم المتقلبة – وهذا حقهم – بكل الأحوال يجب أن تبقى علاقة الاحترام المتبادل هي السائدة بين الطرفين، ومن مظاهر هذا الاحترام الالتزام بالأوقات والمواعيد التي يتفق عليها الطرفان، فهو دليلٌ واضحٌ وجلي على احترام المرء لنفسه أولاً، ولإبداعه ثانياً، وللآخرين ثالثاً، خاصة وأن كلا الطرفين – الإعلاميين والمثقفين – يتحدثون إلى الناس عن الأخلاق والقيم والاحترام، وغيرها من الخصال الحميدة، ويدعونهم للالتزام والعمل بها، لذلك يُفترض أن يكون سلوكهم متوافقاً مع هذه الأقوال.
منذ مدة قريبة تواعدت مع أحد المبدعين من الأدباء – وهو يستنم مركزاً مهماً في مشهدنا الثقافي – لإجراء حوارٍ ثقافي حول أديبٍ عربي رَحَلَ مؤخراً، واختار ضيفي الوقت المناسب له، وأبدى كل ودٍّ وسعادة ورضا، وعندما حان موعد اللقاء لم يحضر ذاك الأديب، اتصلت به مراراً فأغلق هاتفه دون أي اعتذار أو تبرير.
انتابني شعور بالحزن والمرارة والغضب تجاهه، وتجاه هذا السلوك الذي لم أتوقعه منه، أرسلت له رسالة محبةٍ وعتبٍ لطيف أستفسر عن سبب إخلافه للموعد، لكنه تجاهل حتى الرسالة ولم يكلف نفسه بالرد عليها، فاحترت ماذا أسمي هذا السلوك؟ ومن أديب في موقع ثقافي كبير؟ وهل بهذا السلوك يستهل موقعه الذي وصل إليه نتيجة ثقة زملائه به؟! ما زلت حائراً ومتسائلاً ومتفاجئاً.