ثقافة

دور اللغة العربية في بناء المجتمع العربي وتطوره

لربما يتبادر لذهن القارئ هاجس ما, لدى تناوله للعنوان أعلاه, وذلك لأن الأخير اعتاد على قراءة عناوين معكوسة كلياً مثل, دور المجتمع العربي في بناء اللغة العربية وتطورها, من هنا انطلق الكاتب في بحثه الموسع, والذي ابتدأه: عهدنا أن نقلب المعادلة فنقول: دور المجتمع في بناء اللغة وتطوّرها, لكن إشكالية بحثنا هذا تعكس القضية، وتسند إلى اللغة دوراً خطيراً هو بناء المجتمع وتطوّره.
وبما أنّ اللغة الحاضرة لمجموعة من الناس هي من نتاج اللاوعي الجمعي الذي هو نوع من خزّان للمعلومات تتسرّب إليه من خلال الممارسة والنشاط الجمعيين.      فإن هذا اللاوعي يصبح المكمن الرئيس للصور والمعلومات، باستطاعته أن يخرجها عند الحاجة.
الأستاذ الدكتور سالم المعوش, وعبر منجزه الجديد “دور اللغة العربية في بناء المجتمع العربي وتطوره” الصادر عن مؤسسة الرحاب للطباعة والنشر والتوزيع 2015 بيروت.
يفتح مزاد الكلام ليشرعن لجملة الأسئلة المكثفة عن اللغة العربية التي بقيت دون إجابات شافية, وهو ما يثير نقمة القارئ ومدى تفكره في معرفة تاريخها ومسيرتها وحياتها الراهنة ومستقبلها الضبابي، في ظلّ ظروف الابتلاع والإلغاء والتغيب. وهي أسئلة مشروعة يطالها البحث حول واقع الأمّة ولغتها من خلال طرح الإشكاليّة العتيدة “دور اللغة في بناء المجتمع وتطوره”. ومن هذا الباب قدم الكاتب كل الإجابات المسندة حين أكد أن اللغة العربية متواجدة في البنية النفسيّة والذهنيّة العربيّة منذ القديم، كما يؤكد انتقالها من عصر إلى آخر محتفظة بقوّتها وقدرتها على التجدّد والعطاء.
الدكتور أحمد داوود, من خلال كتابه “تاريخ سورية الحضاري” يدلي بأن التدفق البشري الذي استوطن بلاد ما بين النهرين ووادي النيل ومنطقة سوريا القديمة، هو كلّه من أساس عربيّ. حيث أنه أراد من خلال هذه المقولة أن يثبتها بالدلائل التي استمدها من مراجع عربية وغير عربية, ومن الآثار والنقوش وتواريخ الأمم, مؤكداً أنّ العرب السوريين هم السلالة الكبرى، وقد أنسلت سلالات فرعية منها: الفينيقيون والمصريون والفرس والأكراد والأتراك والسقوديون والهنود والأحباش والبربر واليونان والإغريق والطليان والكلتيّون والأسبان, وأنّ لغة هؤلاء من أصل عربيّ اتخذت أشكالاً ورسومًا متقاربة، إلاّ أنّها في نطق الحروف تكاد تكون واحدة. الأمر الذي يؤكد لديه تأثير العربيّة في بناء شخصيّة هذه الشعوب ومجتمعاتها، لاسيّما في ابتكار عقيدة التوحيد، وتفصيل قضايا الخلق، ونشوء الحياة، والتماهي بين العلم والدين، ومفاهيم الوحي، والثواب والعقاب وغيرها.
الدكتور المعوش, عبر فصلين موسعين, بوّب بحثه تحت عدة عناوين عريضة تتفرع منها عتبات ذات الصلة مفنداً كل منها حسب مدلولها:
1ــ اللغة والأمّة العربيّة:
– اللغة والموروث في ضوء علم النفس.
ـ اللغة العربية وبناء الشخصية.
ــ بناء القاعدة المعرفية العربية.
ــ التعريب.
2 ــ دور اللغة العربية في بناء مجتمعها في الزمن الراهن:
ــ صورة المجتمع وقلق اللغة.
ــ من المسؤول: اللغة أم الأبناء؟.
ــ اللغة والإضاءات الشعبية.
ــ بين الموجود والمنشود وإمكانية النهوض والبناء.
ــ اللغة العربيّة ورهانات البناء.
حيث أوغل في مضامين تلك العتبات, في محاولة دؤوبة لتبسيط دلالاتها وفك ترميزاتها لتكون بغاية السلاسة في إيصال ما يريد, واتكائه على تجارب العديد من ذوي الاختصاص, وحسب ما أورد الدكتور يوسف الحوراني: هناك الكثير من الحقائق التي تثبت قدرة اللغة العربية على بناء المجتمعات وتطويرها وتجدّدها. وهذا ما دفع بالكاتب إلى التعقب في هذه المسألة وتقديم نماذج أخرى عن قوّة العربية وقدرتها الكامنة على الخلق والإبداع والنهوض بالمجتمع, مستنداً إلى ما تناوله الدكتور مصطفى ناصف بقوله: ما أورده الجاحظ عن بعض مزايا العربيّة، وكيف أنّها أصبحت لغة الحياة، وكيف اكتسبت هذه القوّة العابرة للزمن, حيث رأى الجاحظ، أنّ لغته قادرة، فقد استعملها في خصوماته السياسية، واستعمل بيانها لخدمة الأفكار النيّرة، كما عبّر بها في بعض الجوانب عن الأفكار الظلاميّة غير البنّاءة، منطلقاً ــ أي الجاحظ ــ من أنها تحمل أمرين أساسيين: أحدهما البراعة العقلية وثانيهما: القوّة الروحية المهيبة, مؤكداً اعتقاده الدائم: من خلال اللغة يستيقظ المجتمع, ومن خلال وجه آخر منها يستيقظ الفرد بخصوصيته, واللسان يمكن أن يغلب مقدار العلم، والعلم يمكن أن يغلب العقل. الغلبة إذًا للسان، أي اللغة.
طلال مرتضى