“فازع.. شهيد الإصلاح في الخليج” يقتل مرتين!!”
يقول قائل: فاقد الشيء لا يعطيه، وحين تأتي الشهادة من أهل الدار، يعني هذا سقوط الأقنعة المخاتلة، “وشهد شاهد من أهله”، هي الشمس المتمادية بالصدق لا يغطيها غربال سمل، تلك هي الحكاية والحجة على من ادعى..
الدكتور أحمد عبد الملك، الروائي والإعلامي القطري، يقدم الطبعة الثانية من مرويته: “فازع.. شهيد الإصلاح في الخليج”، الصادرة عن مؤسسة الرحاب للطباعة والنشر والتوزيع 2015، بيروت، المروية التي صدرت لأول مرة سنة 2009، لكنها غُيبت كلياً من السوق الثقافية، ذاك هو العار العربي الذي يدعي حرية الكلمة، جاءت أحداثها افتراضياً سنة 2050، على بقعة ما في شبه الجزيرة العربية “مملكة ذلول”.
بدأت القصة حين أنهى الشاب “فازع”، الذي ينتمي إلى قبيلة كبيرة، دراسة الإعلام في الولايات المتحدة، وكان آنذاك معبأ بأفكار المجتمع المدني، وهذا ما لا تطيقه “مملكة ذلول” فاحشة الثراء، والتي تذهب خيراتها للملك الضعيف وحاشيته الذين يمارسون طغيانهم على الشعب من خلال مساندة القاعدة الأمريكية التي أتت بناء على طلب والد الملك المتوفى، وذلك لتثبيت حكمه، وهنا بدأت مقالات “فازع” الناقدة تؤرق القصر والقاعدة التي ضاقت به ذرعاً، وقتذاك بدأ تنامي الحقد بين صفوف العامة، ما جعل مجموعات متطرفة تقوم بتفجير بعض المنشآت الحيوية في المملكة كمصافي النفط، واستهداف تجمعات الأمريكان.. تنامت الأحداث إلى حين تدخل الأمريكان واعتقلوا “فازع”، وهذا ما أجج الأمور أكثر، وزاد في عزلة الملك الضعيف، حيث بدأ الانقسام في داخل قصره ومن زوجته الأميرة التي تتابع بكثب ما يكتبه “فازع”.
بدأ الكاتب مرويته بسؤال مبهم: ماذا فعل فازع حتى يدخل السجن؟!.. وهل كتابة مقال عن الأمريكان تكون بتلك الأهمية حتى يدخلوه السجن؟!.
“إن الأمريكان ينتقدون حكوماتهم المتعاقبة، وتبث فضائياتهم وتنشر صحفهم انتقادات لاذعة، بل وأخباراً حميمية عن الرؤساء، ومنهم كلينتون ومونيكا، ثم إن كل الدول تنتقد وجود القواعد الأمريكية في كل مكان، وتطالب الأمريكان بالرحيل، بل إن العائلات الأمريكية تكرر دوماً بأنها تريد أن يعود أبناؤها لبلادهم، ويكفيهم التشرد والموت والتشوهات منذ حرب فيتنام وحرب كوريا والكويت والعراق والمناوشات مع إيران”.
رصدت المروية تنامي الفكر المتطرف بين الشباب، وزجهم في صراعات لا تمت لهم بصلة كالجهاد في أفغانستان، وما نتج عن أحداث “11 أيلول”، حيث ضربت أمريكا في عقر دارها.
الرواية “فازع.. شهيد الإصلاح في الخليج”، تنقل أحداثاً أقرب للواقع، بل تشير بالبنان نحو من تتحدث عنهم، وقد غيبت مرتين، حين خرج “فازع” من أسره بعد الضغوط التي مارستها قبيلته على الملك ليتدخل لدى الأمريكان، ومنعه من متابعة عمله كصحافي، وحين منعت الرواية من التداول خليجياً وعربياً في الدول التي يطالها نفوذ “مملكة ذلول”.
الدكتور أحمد عبد الملك، الراوي في مرويته الجديدة القديمة، نقل لمتلقيه الحقيقة كل الحقيقة دون خوف أو وجل، والتي أنهاها بعد أن خرجت الأمور في “مملكة ذلول” عن سيطرتها، حيث أعلن الشعب العصيان والخروج لطرد القاعدة الأمريكية، وخلع الملك المتواطئ، وهذا ما جعل “فازع” وعدداً من زملاء المهنة يتعرضون لإطلاق نار أدى إلى استشهادهم.
كتبت المروية بلغة أقرب إلى التوثيقية، وافتعال سلاسة سردية لتمرير الأحداث دون أن يتأرق القارئ، حيث استطاع الكاتب تمرير كل ما يريد دون إرباك.
الحواريات زادت من ترابط حبكة الروي، وهذا ما يشي بدراية الراوي بكل ما يجري حوله، عندما وضع مبضعه فوق مواطن الوجع.
حين كان يوارى الثرى سمع إذاعة بلده تبث بيان الجمهورية الجديدة “غرب”: وتلك هي استحقاقات الديمقراطية التي لم يألفها المواطنون: “المساجد لله يدخلها المؤمنون، والبارات للشيطان يدخلها من يشاء، الكنائس تقرع أجراسها بكل حرية، والمعابد تعزف فيها المزامير دون خوف أو وجل”.. أغمض عينيه مستسلماً غير آبه بغفوته التي قد تطول!.
طلال مرتضى