ثقافة

الفنان محمد حداقي لبيت القصيد: “ما بتصور في بلد بتحملني متل سورية”

غوار الطوشة سحرني بطربوشه، طريقة كلامه واللعب بالكلمات
“لمّا المنايا بالوغى تصطادنا/كلمة شهيد بيربحوها ولادنا/ بس اللي طبخت روحها/بزادنا شو ربحت من الحرب غير عنادنا/ حقّا الشمس تطلع عليها مرتين/  وتلبس ع خصرا/جناد غير جنادها”

الشعر كان حلمه، وطويلاً اعتقد أنه سيمتهن صناعة الكلمة؛ إلا أن سحراً آخر اختطفه من هذا الحلم، هو سحر شخص على شاشة التلفزيون يؤدي دوراً ما، سحَرَه “غوار الطوشة” بطربوشه الأحمر وطريقة كلامه، بمقالبه الظريفة وتلاعبه بالكلمات، أذهله عبد الله غيث في فيلم “الرسالة” للعقاد حين جسد دور حمزة، فحلم كثيراً أن “أعمل مشهد من الفيلم وحمزة على الحصان وأخلع أبو جهل على وجهه”.
لا يذكر الفنان محمد حداقي المتميز متى لا مسته مشاعر الشهرة، إلا أنه يعترف أن لدوره في مسلسل “غزلان في غابة الذئاب” الأثر الكبير في تعريف الناس به، بينما يعد”الموت القادم من الشرق” من أدواره الأولى إلى جانب الكواسر الذي قدم فيه دور ثعلبة، وتتالت الأدوار التي ربما لم تكن كبيرة لكنه جعلها مميزة بروعة أدائه، أتاحت له حجز مكانة خاصة لدى جمهور الفن، وبات يستمتع بتحية الناس له وهو في الشارع، كما يستمتع بتأدية أدواره بكل أنواعها مؤكداً أن:”الفن بيقدر يغيّر الواقع”.
لابنته الوحيدة”سامة” خبّأ الكثير من الأحلام، مخططات ومشاريع؛ لكنه الآن وفي هذه الظروف يقول:”اليوم أتمنى فقط أن تكبر، وتكون الحياة أحلى وأهدأ، تقدر تعيش بسلام بدون ما تخاف أو يخاف عليها حدا”.

المعهد العالي للفنون
والمعهد العالي للفنون المسرحية نقطة غيرت حياة الفنان حداقي، فقبل المعهد كان التمثيل عبارة عن:”حدا يقول كلام ويلبس لبس معين ويقول ما يقول، لكن في المعهد اعتدت آلية البحث في فكرة المشهد، الحالة الشعورية، تاريخ الشخصية التي أؤديها، باختصار أصبحت أكثر معرفية”.

حيز خاص
ويعترف”أبو الزين” وهو دوره في الولادة من الخاصرة، أن التمثيل بات كل شيء في حياته يقول”أنا أعطي مهنتي كل حياتي” لكنه بالمقابل منحه شيئاً هاماً، منحه المعنى في المجتمع و”حيزاً خاصاً في المكان” مضيفاً:”عندما أصبحت أُعنى بهذا الفن أصبح عندي بقعة ضوء صغيرة قادر أظهر فيها، أو أني في لحظات قادر كون نقطة علام”.
في الكواليس يصفه زملاؤه بالمشاغب بينما يسيطر عليه قلق فطري مجسداً بيت المتنبي”قلق كأن الريح تحتي” يتجاوزه بالقراءة والمشاهدة والذوبان في تقديم أدواره المتنوعة والمتعددة، يسأله مضيفه: “في رمضان الفائت قدمت 8 أعمال، مش كتير شوي”؟ وحداقي لا ينكر الأمر متمنياً أن يستطيع يوماً الاكتفاء بعمل أو اثنين، لكنه لا يخفي أن الظرف المادي هو الدافع الأول، وفي محاولة منه لرؤية الجانب الإيجابي للأمر فهو يجعل منه المحك لاختبار قدراته على الانتقال السريع بين شخصية وأخرى، معترفاً أن هذا العدد أوقعه في بعض المطبات التي يأسف على المشاركة فيها، ويرد الأمر إلى أننا في مجتمع لم يثق منتجوه حتى اليوم؛ أن الدراما منتج يمكن أن يأتيهم بمردود مناسب، بالرغم من أن الأمر قبل الأزمة اقترب كثيرا من التحول إلى صناعة، من خلال زيادة كمية، من خلال زيادة كمية الإنتاج التي أعطت الأمل بفرز نوع من هذه الصناعة.
حداقي بالرغم من أدواره المميزة المطبوعة في الذاكرة، لكن إشكالية تحديد أجور الممثلين حسب النجومية بمعناها التجاري والطلب الخارجي تنعكس سلباً عليه، على اعتبار أنها باتت لوحة اعتبارية حسب تعبيره أكثر منها رقماً، فالممثل الذي يحظى بالرقم الأعلى يغدو الأهم والأفضل، وهو أمر”يجرح كتير وبمحلات قاسية جدا” موضحاً أن تجاوز مسألة الأجر بعيداً عن الظرف المادي يتوقف على مخرج قادر على تحفيزه وتوريطه والذهاب به إلى مكامن لم يكتشفها من قبل، وهو ما يراه في رشا شربتجي والليث حجو؛ حيث يدفعهما الإيمان به وبموهبته كممثل إلى اللجوء إليه في حال الشخصيات المربكة فنياً، وهي الأدوار التي يفضل العمل عليها، لبعدها عن وجدان المشاهد محاولاً الإضاءة على نقاط معينة لتبرير الشخصية وتقريبها من الجمهور.
حداقي الذي سطع نجمه في مسلسل “غابة الذئاب” والمتسلح بالمعرفة والوعي والثقافة، يؤمن أن ثقافة الممثل ضمان لاستمرار يته قبل نجوميته” فعندما تدرك ما تفعله تبدأ باللاشعور بوضع خطوات وخطط لما يجري، وأين ستصل وإن لم تفعل فالزمن حتما سيؤدي إلى أن يهبط المكان”.
ولأن القراءة من الأمور التي تساعده بالتغلب على قلقه الفطري، فلابد له من أن يخصص لها فترة معينة من السنة وحداقي تسحره أعمال أمين معلوف وأسلوبه في الكتابة، وطريقته في نحت الكلمة وصياغة اللحظة، واستناده إلى آلية بحث كبيرة وشاقة تجعل من رواياته أعمالا بحثية جديرة بأن تتحول  إلى أعمال درامية كبيرة.

ممثل وحشي
الممثل الوحشي صفة أسبغها عليه الفنان الكبير غسان مسعود لم يحسب نفسه يوماً على نوع من الأداء أو يؤطرها بنوع وحيد، معتمداً على الانتماء إلى اللحظة للهروب من محاصرته بنوع معين من الأدوار.
أما فيما يخص ببعد الدراما بشكل عام عن الواقع فهو يرى أن الحذر من الخوض في القضايا الشائكة مرده ما يعرف بالثالوث المحرم، الذي لابد من أن يستمر الحديث عنه كونه ضرورة للخروج من مأزق الدراما المستمر، الذي بدوره يجعلها تقع تحت سيطرة قبضة المنتج.
وحداقي الذي شارك في العديد من أعمال الدوبلاج يميل إلى الكرتون منها والذي يمكنّه من البقاء حراً في اختيار التقنيات وصناعة الشخصية، يؤكد على أنها غير مثمرة ثقافياً فيما يتعلق بالدراما واصفاً إياها بالأعمال السياحية، مفضلاً أن تعرض الأعمال مرفقة بالترجمة حماية للمشاهد من التشويش حين تقدم له لغته على مشاهد بعيدة كلياً عن ثقافته، وفي نفس السياق يأتي موضوع مجاراة المطولات التركية حيث يقول:”لا أتصور أي فكرة في العالم تستاهل مئة حلقة وأعظم الأفكار تحكى في ساعة ونصف في الخارج، مكثفة، صورة سينمائية رائعة، حوار عالي الجودة، تمثيل رفيع المستوى، إخراج يضع النقاط على الحروف، ساعة ونصف مكثفة كأنما قرأت كتاباً” مضيفا أن تحويل فيلم إلى عمل درامي هو نوع من “لي عنق” للفيلم يغدو بعده باهتاً متضرراً.
وليس بعيداً عن الموضوع، يعيب حداقي على كتّاب الدراما اللجوء لاستعارة وجهات نظر الآخرين من خلال تعريب الأعمال التركية أو المكسيكية واقتباس الأفلام فهي دليل على فقر ذهني ومعرفي وضيق في الخيال، فالترجمة أمر مفهوم بالنسبة للجميع أما التعريب فهو مفهوم لا يمكن قبوله:”كيف لإحدى العادات في الصين أن تعرّب لتصبح سورية أو لبنانية”.

هو والمكان.. والشام
“الحقيقة لا أستطيع فهم كيف أنا قادر على التعلق بالشام، أنا حاولت في هذه الحرب الابتعاد بعائلتي إلى مكان قصي ما قدرت، لم يقدر أي بلد أن تحملني، رجعت حسيت كل شي بالدني يقول أنت هون، في هذا الوقت أنت هون مكانك، كل شي حاولت عمله ما ساعدني أن أكون خارج سورية” هذا حاله وعلاقته بالشام والمكان”.  ويعترف أن ليس الحال حاله فقط، ولهذا فهو يرى أنه لا بد من شكر كل منتج استمر بالعمل في سورية ضمن هذه الظروف، وهو مامنح الدراما عصباً تستند عليه للاستمرار في المقاومة والبقاء، وعلى الرغم من إيمانه بأن مرور مسافة من الزمن على الأحداث سيعطي للأمور الفرصة كي تتكشف وتتوضح بحيث يمكن تناولها بشكل أعمق، إلا أنه وضمن الظرف الحالي”مستحيل الواحد يغمض عيونو” ويقدم أعمالاً بعيدة كلياً عن الواقع، إنما يمكن تناول اللحظة ذاتها في الظرف عينه، متضمنة النص الدرامي أو الكوميدي المطلوب”ما فينا نبعد كتير”.
يعترف صاحب الدور المميز”أبو شملة” في “ضيعة ضايعة”، أنه يستمتع بكل شخصية يؤديها مهما كان انتماؤها الفني فالأهم هو تجسيده لمشاعر جديدة لم يختبرها من قبل، وعليه فهو استمتع بتأدية دور فياض في “الخربة” كما في “غزلان في غابة الذئاب” وسواها من الأدوار العديدة والمميزة التي قدمها.
حداقي ابن المسرح  الذي يحبه ويحاول ألا يبتعد عن خشبته حيث كانت له مشاركة غير بعيدة العام الماضي مع الفنان أيمن زيدان في دائرة الطباشير القوقازية، يعتقد أنه ليس العرض المسرحي هو ما يجعل الممثل ينحاز إلى المسرح، إنما المسيرة باتجاه العرض التي تتضمن البروفات والاقتراحات وعملية البحث بشأن الشخصيات.
للفنان حداقي  مشاركات بسيطة في السينما التي يرغب بخوض غمارها بشكل كبير على الرغم من شعوره أن السينما لم تهواه كما يهواها، بينما هو الآن بصدد تصوير مسلسل”سمرة” وهو عمل سوري لبناني مصري للمخرجة رشا شربتجي، ويشارك في خماسية الليث حجو”أهل الغرام3″ ويحضر لمسلسل كوميدي بدوي قادم.

بشرى الحكيم