ثقافة

ثـقـافـة زرقــاء

يواجه المستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي ونقل المعلومات كما هائلا من الأخبار والمعلومات المتنوعة، من ثقافة واقتصاد وعلوم وفنون وطب ومعارف تتدفق في كل برهة على الشاشة الزرقاء وفي كل عنوان يمسه رأس سهم الماوس بنقرة تعادل  رفة العين حتى تنفتح  “مغارة علي بابا” على الكثير مما تعرف وما لا تعرف عن هذا العالم الافتراضي المعلوماتي الالكتروني الكهربائي السريع القصير الصادق الكاذب..
لا ننكر أن هذه الحال الرقمية من الصورة والمعلومة هي حال هذا العصر وسمته، فهو زمن سرعة، وزمن صورة بامتياز، لكن السؤال ما الفارق بين المطالعة والتصفح، بين ثقافة السرعة وثقافة التراكم الهادئ للأثير الذي يدخل صميم الوجود الإنساني ويمنحه صلابته ومنعته وقيمه، وبالمقابل هذا الكم العظيم من المعلومات الطازجة والمتحركة التي تصل عبر الفضاء الرقمي كيف نتلقاها ونتمثلها، وهل تدخل مختبرنا المعرفي لنثق به أم نتوقف عند أخلاقه وأهدافه وغاياته، فقد كنا نطالع الكتب لنكتسب العلوم والمعرفة ونتعرف على ثقافة الآخرين وآدابهم وفنونهم، لكن هذا الجيل بتصفح ويعرف ماذا يريد ويمتلك من المعلومات ما يفيده في تخصصه الذي ينطبق على نشاطه: “ثقافة مختصر مفيد”.
أما الشغوفين منا بالإفاضة في الشرح فنجد أن لا مكان لهم في بعض الوسائل الحديثة التي توشوش بالتغريدات، فعدد الكلمات محدود وتعمل على مبدأ قل كلامك بإيجاز وانصرف، وهنا تحضرني في نهاية عبارة مكتوبة على كرتونة شاي معلقة في دكان أبو عدنان رحمه الله في سبعينيات القرن الماضي: “… سلم سلامك وانصرف هذا مكان عيشنا لا ينبغي لك أن تقف”  أخلاق تويتر وتغريدة أبو عدنان متفقان على السرعة في الأداء وعلى غايتهما منك، كونك زبون قبل كل شيء، وتعيش عالم الاستهلاك والتشيؤ، لا عالم القيم والمثل.
ولثقافة الزبون والمستهدف بفتح الدال والمستهدف – بكسر الدال – أهمية خطيرة في تغيير شكل المجتمعات وقيمها، حتى الصداقات بين الناس أصبحت باردة ورقمية، أو لا تتعدى الصوت عبر الهاتف في أفضل الحالات، وهذا لا يعني أنني أقف في صف العداء لهذا العالم الالكتروني الأزرق، لكنني لا أكتم قلقي من أثره الفظيع على الإنسانية، خاصة بعد ظهور حالات التغول عند بعض الثقافات التي تتعامل مع تراث وتاريخ البشرية وحضارتها بقدر لا يصل إلى أهمية النفط والثروات. عالم جشع وقاتل شره للمال والغاز ويسلب زرقة الفضاء.
أكسم طلاع