ثقافة

الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد.. يطوي أوراقه على قلمه ويرحل

رحل الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد بعد أن طوى أوراقه الأربع والثمانين على قلمه الذي لم يتوقف عن كتابة الشعر خادما للعراق وشعبه، مسيجا لحزنه العميق بالشعر والشغف، فقد أصدر أكثر من 42 مجموعة شعرية ونشر أول قصائده عام 1945ومجموعته الشعرية الأولى في 1950، ويعد من المؤسسين لاتحاد الأدباء في العراق، كما تولى مهام عديدة منها رئيس تحرير مجلة الأقلام  ونائبا للعميد في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد ومهام ثقافية حكومية عديدة، وقد حصل على العديد من الجوائز والأوسمة الأدبية أهمها الجائزة الأولى في مهرجان الشعر العالمي في يوغسلافيا 1999ووسام بوشكين للشعر1976 ودرع جامعة كامبردج 79 ويعتبر تكريمه في دمشق من قبل وزارة الثقافة من المحطات المهمة في حياته حيث أقام فيها لسنوات.

كتب في دمشق قصيدته المعروفة “شكراً دمشق” والتي ألقاها في مكتبة الأسد يوم تكريمه ومنها نقتطف:

شكرا دمشق وهبت العمر أجمعه
حسن الختام..وهذا ثوبه الخلق
زاه كأن شموس الكون أجمعها
طارت له من دمشق الشام تستبق
شكرا دمشق منحت الروح أجنحة
لكي تتيه وأن ألوي بها الرهق

يعتبر الشاعر الراحل من أهم الشعراء العراقيين والعرب في فترة نهاية القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة، كما إنه لم يخف أبدا إعجابه بالشاعر الكبير الجواهري الذي قال في رثائه:
حييت سفحك من بـعـد فحـيـيـنـي
يــا دجلـة الـخير يـا أم البــسـاتـين
حييت سـفحـك ظـمـآنـــاً ألـــوذ بـــه
لـــــــوذ الحـــمـائــم بــين المـــــاء والـطــين

يعتز بانتمائه للعراق وعاش حياته شاعرا لأجل عراقه والعراقيين:
أموت فيكم ولـو مقـطـوعـة رئـتـي
يـــا لا ئــمــي فــي الــعراقيين..لا تـلم
كما وقف ضد الغزو الأمريكي للعراق وضد التدخل الغربي لرسم معالم جديدة للعراق قائمة على الطائفية والمصالح والأطماع في نفطه وثرواته:
هم يصنعون عــراقـاً لا عــراق بـه
ثـالــوثـه الـفقر والإجــرام والـعـوق
ويصنعون عـــراقــا لا ضــمــير لـــه
لا روح فـــيــه ولا قــلــب ولا خــلــق
وتـــشـحذ الآن أمــريـكـا قـريـحـتــهـا
لـعــل أمــراً جـديـدا عـنـهـا يـنـفتـق

بعيداً عن الشعر
تعرفت بالشاعر الراحل عبد الرزاق عبد الواحد “أبو خالد” في اتحاد الكتاب العرب في دمشق حين وصوله إلى دمشق قاصدا العيش هنا تاركا في العراق جرحه الكبير والنخل العالي بوجه الغزاة، وقد استضافته جريدة الأسبوع الأدبي على صفحاتها حين أجرى معه الأديب حسن حميد حواراً مطولا نشرته الجريدة تحدث عن الشعر والعراق والأهل والتجربة الطويلة في الأدب والمسؤولية الإبداعية التي تقع على الشعر وللشاعر معا.
وكثيرا ما كنت أنتبه إلى عينيه المفتوحتين لحظة رغبته في تأكيد ما يريد قوله وإيمانه بما يقول بفيض من العاطفة التي تقترب من حدود أن ترى دمعه الخبيء خلف حجر عينه، وهو الرجل الذي قارب الثمانين من العمر ويملك من حماسة الشباب وتوقهم في التعبير عن الجمال والافتتان بأثره، حدثني عن ابنته الفنانة المقيمة في فرنسا والتي تبدع في مجال النحت، مثلما حدثني عن الفنان المصور العراقي فائق حسن الذي رسم له بورتريهاً يعتز به، كما حدثني عن شغفه بالفنون التشكيلية وعن دوره حينما كان مدرسا في أكاديمية الفنون الجميلة ومعاونا للعميد. أيضاً حدثني عن العمارة وعن الضوء والماء والطين، وعن الحضارة والإرث الديني والفلسفي لتلك البقاع من العراق وقد ألف عملاً شعرياً مهماً يعد من أدبيات الصابئة المندائيين التي ينتمي إليها الشاعر، وقد استحق وسام الآس التي تمنحه الطائفة لأبنائها المميزين.
لمست في شخصية الراحل تعلق قديم بالفنون التشكيلية وتعتبر سمة مميزة عند أعلب الشعراء وبالأخص العراقيين ميلهم نحو الفنون التشكيلية إن لم يكن مزاولتهم لهذا النوع من الفنون، وبالفعل بعد سنوات استطاع الفنان العراقي فؤاد حمدي المقيم في دمشق أن يحقق معرضاً تشكيلياً بالتعاون مع الشاعر الراحل، وتم عرض اللوحات في صالة المنتدى الثقافي العراقي حضرت افتتاحه شخصيات ثقافية كبيرة، وتقوم فكرة المعرض على التأليف بين الشعر واللون حيث يرسم باللون الفنان حمدي على سطح اللوحة جاعلا من السطح الملون مجالا رحبا للشاعر عبد الواحد كي يمارس فعل الشاعر والرسام والكاتب على اللوحة يخط بيده نصوصه الشعرية الأحب عنده والتي تتكامل مع العمل التشكيلي، وبالفعل فقد حقق الرسام والشاعر حشداً بصرياً غنائياً ملوناً عراقي الهوية والهدف، عناصره الموقف والحياة وما يشغل المبدع العراقي في التجربة الجديدة التي فرضت على بلاده ونخله وشعبه:
تهب كل ريـاح الأرض عـــاصفـة
والــنـخــل لا تـنــحـنــي إلا ذوائــبــه

مسيرة طويلة عاشها هذا  “الحر الرياحي” وبرحيله يكون الشعر المعاصر قد فقد أهم الشعراء الذين حافظوا على أصالة الشعر وأغنوا الحياة الثقافية العراقية والعربية. وداعا أبو خالد لقد أضأت بما أشعلته في النفق.
ولمن يقول فيك: لن يكون إلا وفيا للعراق والشعر وأخلاق ماتركت.
من مؤلفات الشاعر:
< انسكلوبيديا الحب ، محموعة شعرية صادرة عن اتحاد الكتاب العرب 2003
< قمر في شواطئ العمارة –  شعر – عن اتحاد الكتاب العرب 2005
< في مواسم التعب 2006
< الحر الرياحي ، مسرحية شعرية طبعة رابعة 2008
< ديوان القصائد طبعة ثانية 2008
< زبينة والملك ، عمل شعري بين الرواية والمسرح 2009
أكسم طلاع