إياد حنا غناء للأرض والوطن
قد لا يختلف اثنان على أن طبيعة الحياة البشرية تقتضي تغييرات جوهرية في أنماط الحياة بمختلف مناحيها، فكما قد تتغير العادات والتقاليد بفعل الزمن وتأثيراته الاقتصادية والاجتماعية تتغير ثقافات الشعوب وفنونها دون أن يعني هذا أن هذه التغييرات ذات طبيعة جذرية أو شاملة، فقد يكون التغيير طفيفاً ومرتبطاً بظرف معيّن كأن تتغير مثلاً طبيعة القصيدة فتتخلى عن قواعدها الصارمة ولغتها الرفيعة وعباراتها القوية وصورها البديعة لتتحول إلى مجرد هذيانات يكاد لا يعي معناها حتى المتلفّظ بها. هنا يكون التغيير ذا منحى سلبيّ ومسيء لسيرورة ثقافية اجتماعية إنسانية عمرها مئات الأعوام، وفي الوقت ذاته ثمة العديد من الظواهر الثقافية والفنية لم تخضع إلى هذا النوع من التغيير بقدر ما غيّبها الزمن وتجاوزها إلى حين كظاهرة الغناء الريفيّ المرتبط بالجذور، والدافق برائحة الأرض وعطائها. إنه اللون الغنائي الذي أبدع فيه وصَالَ الفنان الراحل وديع الصافي الذي ترك لنا إرثاً فنياً في هذا المجال يشكل اليوم ثروة فنية وثقافية وإنسانية لا خلاف حول أهميتها وعبقريتها. والواقع أنه في الفترة التي أبدع فيها الصافي في هذا النوع من الغناء وما تلا تلك الفترة ظهرت العديد من التجارب التي حاولت أن تحاكي تجربته فكُتِب النجاح لبعضها، وتعثّر بعضها الآخر ووقع في مطب التقليد الأعمى فافتقد لهويته وخصوصيته، وبالتالي لم يكن له نصيب من الاستمرار والتأثير.
مؤخراً ظهرت تجربة جديدة لفتت الأنظار إليها بدفئها وقدرتها على إعادة الروح لهذا النمط من الغناء شبه المنقرض، بطلها الفنان إياد حنا صاحب أغنية “يا جدي” التي انتشرت بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعية والتي سبق أن شدا بها في دار الأوبرا بدمشق، حيث فاحت في أرجاء المكان رائحة الأرض العطشى للغناء النبيل والبعيد عن الأشكال الغنائية السائدة اليوم والمعتمدة على الشكل لا الجوهر، على الصورة لا الصوت.
أغنية إياد حنا “ياجدي” وهي من تأليفه وألحانه تأخذ أهميتها من كونها لا تبدو مجدِّدة في موسيقاها فحسب بل وفي أنماط الغناء الأخرى كالغناء الوطنيّ على سبيل المثال الذي ازدهر عدداً مؤخراً دون وجود أمثلة مؤثرة سوى في أقل قليلها، فالغناء للأرض والشجر والثمر والفلاح والليمون والزيتون والياسمين والحبق ليس غناء ريفياً فحسب بل هو من الغناء الوطني أيضاً لأن الأرض تبقى الرمز الأبقى لكل ما يمت لمفهوم الوطن بصلة.
أمينة عباس