ثقافة

“الحب” غذاء الروح

رأته قبل بداية العام الجديد بأيام، نظرت إليه وقالت لنفسها: “ما أجمل هذا الشاب”، وبقيت تستحضر صورته من ذاكرتها كي لا تنساه، فهي لا تعرف متى ستراه مرة أخرى، لكن يبدو أن القدر كانت له حكمته وجمعها به بالصدفة، حيث بادر هو  بتحيتها وقال لها هل يمكنني دعوتك لاحتساء القهوة معاً، فقالت له يوماً ما. دارت الأيام ليعود اللقاء بعد مضي شهور عديدة، وتمت الدعوة، ومر الوقت رغم طول دقائقه، إلا أنها اعتبرتها معدودة وقصيرة جداً.
الحقيقة هناك من يقول أن الحب هو هذا الشيء الذي “يشتعل” داخل الشخص من  اللحظة الأولى، ويمكن وصفه بالشعور الجميل ولا يمكن لأحد أن ينكره. لكن تبقى المفارقة عند المعنى الحقيقي للحب، هذا السؤال الذي ألح على الفتاة “ما هو الحب؟” كونها لا تعرف حقيقته، فقررت توجيه السؤال للناس من جميع الأعمار، وهنا كانت المفاجأة، فعندما سألت الأطفال وجدت في أجوبتهم العفوية المطلقة، وأخذوا يعبرون عنه وكأنه شيء مقدس، ورغم اختلاف الأجوبة إلا أنهم كانوا متفقين أنه شيء يجب عدم العبث فيه، فأحدهم قال: الحب هو زيادة في عدد دقات القلب مترافقة بقشعريرة يشعر بها الشخص، وأتى جواب آخر أن الحب هو الارتياح والدفء مثل الوسادة، وأجابت طفلة –كان جميل جداً- أن الحب يعني أنك لن تكون وحيداً أبداً، وأحد الأطفال أكد أن الحب هو أن يشرب أبي وأمي كل يوم فنجان قهوة في الصباح قبل الذهاب إلى العمل، بينما طفل آخر يرى أنه شراء الورود والشوكولا، لكن المفاجئ نقد أحد الأطفال لهذه الطريقة التي يجدها تقليدية ويجب على الأشخاص الذين يحبون ابتكار أفكار جديدة لإسعاد الآخرين.
في الواقع، عندما سمعت الفتاة آراء الأطفال ابتسمت ابتسامة رضا وأعجبتها الأجوبة، وقالت بالتأكيد هذا هو الحب الحقيقي، لكن يجب سماع الكبار من مبدأ “لنسأل المجرب” وتوجهت بالفعل للبحث عن “الحب” في قلوب الشبان والكبار، وهنا كانت المفاجأة عندما لم يتفق الجميع على لون واحد للحب، فكانت الأجوبة مختلفة تماماً بما يخص هذه المشاعر المقدسة –كما وصفها الأطفال- كانت البداية موفقة حيث التقت بأشخاص يقدرون هذه المشاعر فعبروا عنها بوصف جميل: الحب لغة بيضاء، وهو المحرك الأساسي للعطاء، هو الارتياح والمساعدة والاحتواء، ورأت فتاة تعيش حالة حب: الحب هو ألفة وصدق ومودة وتفاهم وإخلاص ووفاء لأي شخص يحبه الشخص، وهي كلمة اختصرت كل المشاعر بحرفين وهو أجمل شيء في الحياة “والدنيا من غير حب لا تعاش”، وأحد الشبان المتيم قال: الحب هو الاهتمام والترابط الروحاني، الحب غذاء الروح، وكانت أظرف الأجوبة من شابة تحلم بالحب: الحب الحقيقي أن يعطي الحبيب حبيبته 800 مليون دولار ويقول لها تكفي؟ -طبعاً من دون مقابل- بالتأكيد لا يتفق الجميع على الآراء ذاتها، فهناك كثيرون يرون الحب كالسراب، أو –حسب ما عبّر عنه أحد الأشخاص- هو كارثة عظيمة تحل على من يقع فيها، أو وجع للقلب ودمار للمخ وكسر للظهر واحتمال تشوّه في البصلة السيسائية والعمود الفقري، وأحدهم عبّر أن الحب هو كلمة من وحي الخيال تم اختراعها لجرح الوجدان، أو خدعة يستغلونها من أجل الضحك، أو عملية احتيال متبادلة، أو علاقة ثنائية يحب فيها الأول ويكذب الثاني.
في النهاية، وبعد اختلاف الآراء ما بين الأطفال والكبار والشبان قرأت الفتاة جملة يقول فيها جان جاك روسو: “لكي تكتب رسالة عشق عليك أن تبدأ دون أن تعلم ماذا تريد أن تقول، وأن تنتهي دون أن تعلم ماذا قلت”، وإن كانت بالفعل في هذه الحالة فبالتأكيد هو الحب. في الواقع، هذا السؤال قد حير الجميع, فالحب يدخل القلب من غير استئذان، وعندما ترى شخصاً وتنظر إليه نظرة الإعجاب فحبك له بدأ من تلك اللحظة وتتمنى أن تراه كثيراً.
في الحقيقة، توصلت الفتاة بعد كل هذه الآراء إلى نتيجة أنه يمكن لجميع الأشخاص أن يعيشوا حالة الحب، ولكن من المؤكد أن كل شخص يراه بطريقة مختلفة، فالبعض سيحبه والبعض الآخر لن يحبه، والنتيجة أن “الحب في عين ناظره”.
جُمان بركات