ثقافةصحيفة البعث

“حياتك الثانية” ملك إرادتك

حلب- غالية خوجة

شمس حلب بدأت تتأرجح بين العصر والغروب، تماماً، مثل حياتنا الواحدة التي نمرّ بها على هذه الأرض، لكن، هناك من يقول إن لدينا حياة ثانية داخل هذه الحياة الأولى، مرتكزاً على علم النفس، وكيفية تفريع الحياة إلى حيوات من خلال التفاعل الإيجابي.

وهذا ما تتمحور حوله الرواية الأولى للكاتبة والرسامة التشكيلية الفرنسية “رافاييل جيوردانو” التي حملت عنوان “حياتك الثانية تبدأ حين تدرك أن لديك حياة واحدة”، ترجمها إلى العربية حسين عمر، وهي من إصدارات المركز الثقافي المغربي عام 2017 بطبعتها الأولى التي وجدتها مصادفة بين يدي جورج وجاكلين الجالسين على أحد الأرصفة بشارع الفيلات وهما منسجمان بقراءتها.

وما كان مني إلاّ أن سلمت عليهما وتحاورنا حول قراءة الكتب الورقية في زمن الشبكة العنكبوتية وشاشاتها التي لا تنتهي، ليجيبا بأن الكتاب الورقي يمنح القارئ أبعاداً إضافية للكلمات والأحداث أكثر من الشاشة، ويفسح المجال لخيال كل قارئ ليتفاعل بطريقته، ويساعد على التأمل أكثر، والتوقف عن متابعة القراءة حسب الظروف، والعودة إليها بشوق مع استذكار ما قرأناه، والتمتع بحمْل الكتاب، والجلوس في أي مكان للقراءة بعيداً عن الكهرباء وأشعة الأجهزة.

أمّا عن الرواية، فقالت جاكلين: كنت أبحث عن كتاب لم أقرأه، ولفتتني هذه الرواية المبنية على علم النفس الذي يتعامل مع معاناة البطلة “كاميل” من السمنة ومن بُعد زوجها روحياً عنها لا مكانياً، الحالمة بأن تكون مصمّمة أزياء، والجميل أنها وخلال 35 قصلاً لم تكتشف أن “كلود” الذي تتعامل معه هو طبيب نفسي إلاّ في النهاية.

وعن سرّ الانجذاب إلى هذه الرواية، أجابت: “جعلتني أحب “روتيني” اليومي في الحياة، وشعرت بأنه أحياناً قوة من نوع ما، لأن كسر هذا الاعتياد اليومي إذا لم يكن إيجابياً سيؤدي إلى الكثير من المصاعب والانهيارات والانكسارات”.

بدوره، قال جورج: “لم أقرأ الرواية بعد، وجاكلين شجعتني على قراءتها لأنها تساعد في تغيير الشخصية”.

وهنا، تدخّلت جاكلين: أيضاً، تجعلنا نكتشف سلبيات الشخصية لنحولها إلى نقاط إيجابية كما فعلت “كاميل” مثلاً، وكم كانت متجاوبة وإيجابية مع آراء “كلود” من دون أن تعلم بحقيقته كطبيب نفسي، فكانت تبوح له وتحاوره مطمئنة، وهذا ما يجعل أسلوب العلاج نافعاً لأنه غير مباشر، وهذا يؤكد أهمية الأصدقاء في حياتنا”.

وكان أن تركتهما مع الرواية قرب كنيسة النبي الياس، ومضيت متأملة في مصطلح “داء الروتين الجادّ” حسب كلمة الغلاف، والذي تشرحه الكاتبة على لسان الطبيب النفسي “كلود”: “هذا أحد أمراض الروح والذي بات يتفشى على نحو متزايد بين الناس في العالم، أعراضه تكاد تكون دوماً هي نفسها: انخفاض في درجة الحافز، نوبات دورية من الكآبة، فقدان المعالم والحواس، إيجاد صعوبة في الشعور بالسعادة على الرغم من وفرة الخيرات المادية، خيبات أمل، وشعور بالإرهاق والتعب”.

حينها تسأل “كاميل”: “ولكن، كيف تعرف كل هذا؟ أنا روتينولوجي. روتينو ماذا؟”.

ويبدو أن هدف الرواية بلغتها المألوفة السهلة، أن تطرح العديد من الأسئلة على القارئ لتخبره بإمكانية التغيير والتفكير بالفرح عن طريق الحلم بحياة ثانية متصلة بأهمية الشعور بالحياة الواحدة وقبولها بتفاصيلها اليومية أو في البحث عن إنجاز السعادة بما يناسب كل قارئ، وهذا ما أوضحته الكاتبة “جيوردانو” بقولها: “لا أريد أن أطلق أحكاماً ولا أن أسقط في فخ المبالغة. ما أسعى إليه هو أن أمنح المفاتيح لقرائي لكي يصبحوا أفضل حالاً”.

ترى، لماذا يقرأ شبابنا الأعمال المترجمة في هذا المجال أكثر من قراءتهم للأعمال التي قدّمها الأدب العربي، خصوصاً وأن هذا الجيل يحب القراءة في سيكولوجية الشخصية؟.