في ندوة “اللغة العربية والإعلام”.. مـازالـت لـغتنـا الـعربيـة قـادرة علـى اسـتيعـاب جمـيـع الـمعـارف
دعا د. مروان المحاسني رئيس مجمع اللغة العربية في كلمته التي ألقاها في ندوة “اللغة العربية والإعلام” التي أقامها المجمع مؤخراً إلى تدريس جميع العلوم باللغة الفصيحة “حتى تستعيد عالميتها” وإلى ضرورة أن تبقى لغة الإعلام “قريبة من لغة العامة” لكي تكون سهلة ميسورة قريبة من إفهامهم موضحا أن موقع اللغة العربية في عالم اليوم سيادي لا يتحمل أي تقليل أو إهمال، خاصة وأنها ما زالت قادرة على استيعاب جميع المعارف، وهي في طريقها اليوم إلى إيصال الشعب العربي إلى انبلاج فكري وعلمي متى تم لها إنجاز مسعى توطين العلوم والتقانات”.
وتناولت د. نهلة عيسى في مداخلتها التي حملت عنوان “دور الإعلام في الأزمة الراهنة” دور الصورة في الإعلام, وصعوبة دحضها ونفيها ووفرتها تجسيد فعلي لغياب المعنى, والحرب على سورية أظهرت تجاوزات الصورة بشكل غير مسبوق.
وترى عيسى أنه بات من الضروري إعادة النظر فيما يقدم في تلك الوسائل, ومحاولة توظيف المادة الاتصالية التوظيف الأمثل بما يعمل على تغيير الاتجاهات والأفكار السائدة عنها وعن الأحداث الجارية لدى أفراد المجتمع, عبر اعتماد الشفافية الوطنية منهجاً, وتقديم توصيفاً واقعياً للتحديات الراهنة. مبينة أن وسائل الاتصال تملك إمكانيات واعدة يمكن توظيفها في مجال التنمية الشاملة وإعادة الهيكلة الوطنية, عبر التأكيد على أن جوانب الضعف في نسيجنا الثقافي الحضاري, سببه عدم المساواة وغياب العدالة الاجتماعية بيننا, وليس عدم التجانس أو التشابه, وإلا فإن دورها يبقى محدوداً, وربما سلبياً, ما لم يترافق بإرادة سياسية واجتماعية جادة لتحقيق الأهداف المنشودة, وما لم يترافق بإعادة هيكلية شاملة لجميع بنى المجتمع القيمية والروحية والأخلاقية والتعاقدية الوطنية, والتي أحدثت فيها الحرب الدائرة الكثير من الشروخ, وقدر كبير من العطب.
لغتنا سلاحنا
و”عن واقع اللغة العربية في الوسائل الإعلامية والإعلانية أكد الإعلامي محمود الجمعات في مداخلته أن رسالتنا واضحة للجميع، وهي التي توصل ما نبتغيه إلى غايته القصوى، وما أشبهها بالسلاح الذي يحارب به المرء في معترك من معتركات الحياة، فاللغة هي سلاح الإعلامي في معتركه المهني.
ويرى الجمعات أن الأداء اللغوي للإعلامي الناطق يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتمكنه من حرفية الفنون الإذاعية المسموعة والمرئية.. وهذا يعيدنا إلى تجاهل الشروط المتبعة والمعروفة لاختيار الإذاعي والتي تشكل اللغة فيها حجر الزاوية إذ لا يمكن أن يكون مذيعاً من توفرت فيه الشروط الأخرى وينقصه شرط المهارة اللغوية، وماذا عساه أن يقول إذا كان محاوراً لا يمتلك ناصية لغته وليس لديه قدرة على إحضار مفرداته لأنها أصلاً شحيحة وتكاد تكون نادرة.
“العربيزي” أبجدية مستحدثة
وفي محوره الذي جاء بعنوان “العربيزي ظاهرة خطرة على لغتنا العربية” عرف الدكتور محمود السيد المدير العام لهيئة الموسوعة العربية ونائب رئيس مجمع اللغة العربية هذا المصطلح بأنه كلمة منحوتة من كلمتي الانكليزية والعربية وثمة من أطلق عليها اسم “الفرانكو آراب” وهناك من وصفها باللغة الفيسبوكية وهي “أبجدية مستحدثة غير رسمية” ظهرت منذ بضع سنوات وتستخدم على نطاق واسع بين الشباب في الكتابة عبر الدردشة على الشبكة في المنطقة العربية وتنطق مثل العربية تماماً. ويعود تاريخ بداية انتشار ظاهرة “العربيزي” بحسب السيد إلى القرن التاسع عشر عندما انطلقت صيحات تدعو إلى كتابة لغة الضاد بالأحرف اللاتينية وبالعامية.
ويرى السيد أنه إذا كانت اللغة في عصرنا الحالي هي الوجود ذاته، فإن هذا الوجود مرتبط بالأبعاد الجيو- إستراتيجية والحضارية للغة من جهة وبمستوى الحضور والكثافة اللتين يميزانها على الشابكة كماً ونوعاً. ويتضح من خلال مفهوم العربيزي أن ثمة قسمين ينضويان تحت هذا المفهوم أولهما اللغة العربيزية المحكية، وتأتي حواراً كلامياً لكلمات عربية مع بعض الكلمات الإنجليزية في إشارة إلى أن الشخص المتكلم يعرف الإنجليزية. وثانيهما لغة الأرقام التي تستخدم الحروف الإنجليزية والمعنى العربي.
ويرى بعضهم أن هذه الظاهرة جاءت نتيجة طبيعية لتمازج الحضارات وتداخلها، إذ إن اللغة هي أول ما يتأثر بالانفتاح على العالم الخارجي ويرجع آخرون السبب في انتشار هذه الظاهرة إلى التقليد الأعمى بين الشباب، وتبادل الرسائل بينهم معتبراً أن استخدام الشباب للعربيزي هو نوع من أنواع التباهي بمعرفة اللغة الإنجليزية التي أصبحت لغة التطور والحداثة في نظر هؤلاء الشباب، والشعور بالنقص والدونية والتخلف عن الآخر، واعتبار الغرب مثالاً يحتذى. ولقد ساعدت الوسائل التقانية (التكنولوجية) الحديثة في سرعة انتشار هذه اللغة.
مناصروها ومعارضوها
يرى مناصرو العربيزي أنها لغة تتماشى وطبيعة العصر، وأن استخدامها يمكّن المرء من أن يتواصل مع مختلف شرائح المجتمع المثقفين وغير المثقفين، إضافة إلى ما تتميز به من: السرعة- الإيجاز والاختزال- المزج بين عدة عناصر في كلمة واحدة- السهولة التقنية في الاستخدام- المرونة- لغة شبابية- اختلاف توظيفها من منطقة إلى أخرى- السرية: فهي تبدو لغة مشفرة لا يفهمها إلا من يتقنها.
ومن هنا فإن الشباب يرجعون تفضيلهم للغة العربيزي إلى سهولتها في الفهم والاستيعاب، والبعد عن التراكيب اللغوية، وعدم التقيد بالقواعد النحوية والإملائية، والابتعاد عن إظهار ضعفهم في اللغة العربية الفصيحة.
أما المعارضون لـ “للعربيزي” فيرون أن هذه الظاهرة معول هدم في صرح العربية، إذ إنها تهدف إلى إنكار الموروث الحضاري القيّم للأمة العربية المصوغ بالعربية الفصيحة، وأنها تزيد من اتساع الهوة الاجتماعية بين طبقة اجتماعية صغيرة تفتخر بالثقافة الغربية، وشريحة واسعة تحافظ على إرثها اللغوي العربي العريق. ويؤكد هؤلاء المعارضون أن لغتنا العربية مرتبطة بكيان الأمة العربية وحضارتها ووجودها على المسرح العالمي. والحفاظ عليها حفاظاً على كياننا وهويتنا وثقافتنا، وينظر إلى العربيزية في ضوء هذا السرد التاريخي على أنها جزء من المؤامرة التاريخية على الحضارة العربية التي سعت من قبلُ إلى إحلال الحرف اللاتيني مكان الحرف العربي، وإلى الكتابة بالعامية وبالحروف اللاتينية.
جُمان بركات