ثقافة

قدر أم محض صدفة

جلال نديم صالح

بالرغم من الفترة الزمنية الطويلة التي مرت على ذلك اللقاء، إلا أن تفاصيله الصغيرة مازالت عالقة في ذاكرتي إلى الآن ذلك اليوم أعاد إلى ذاكرتي الكثير من الأسئلة التي كنت أتوقف عندها سابقاً في مقدمتها:
هل هي المصادفة  أم تراه القدر من يختارنا ليجمعنا بأشخاص يجعلوننا نغير الكثير من قناعاتنا وأحياناً نظرتنا لقضايا كبرى اعتبرناها دوماً غير قابلة للنقاش، كنت يومها في أحد المعارض حين دخلت فجأة مع صديقتها بينما كنت منهمكاً بالحديث مع أحد الفنانين المشاركين قبيل الافتتاح. لفتت نظر الجميع حين دخلت سمعت البعض يهمس يا حرام صبية وجميلة في حين اكتفى البعض الآخر بنظرات الشفقة، كان اهتمامي مختلفاً لأن قناعاتي كانت دوماً أن الإعاقة في العقل وطريقة التفكير وليست في الجسد وكم من الناس يبدون أسوياء وهم في الحقيقة نقيض ذلك. بدت متحررة إلى حد بعيد من إعاقتها الجسدية، لم تخجل من عكازيها بل انطلقت تجول في المعرض تزين تقاطيع وجهها ابتسامة طفولية، تابعتها من بعيد باهتمام، كان حب الحياة والتصالح مع الذات واضحاً في كل حركة تقوم بها، اقتربت مني مبتسمة شعرت بالارتباك اعتقدت أنها شعرت بملاحقتي لها من بعيد، مدت يدها مبتسمة وطلبت بلطف أن ألتقط لها بعض الصور أمام اللوحات الموزعة في أرجاء المكان،  وبالفعل قمت بذلك. وقفت بإعجاب أمام عباراتها وهي تحدثني عن نشاطاتها اليومية وانتسابها لأكثر من جمعية من الجمعيات الخيرية ومن ضمنها التي تهتم بالأسر المهجرة في مراكز الإيواء. شكرتني وابتعدت لتكمل جولتها. في المساء كانت الأسئلة أكثر والإجابات أقل ترى من أين يأتي أمثال تلك الفتاة بالقوة والإقبال على الحياة متجاوزين الإعاقة، وكم كنا سنحقق لو امتلكنا نصف ما يملكون من إرادة وشعور بالآخرين، صمود هؤلاء وإصرارهم على المتابعة  وشعورهم بالآخرين وتقديم ما يستطيعون حين يئس كثر من “الأصحاء” وضاعوا في صخب الحياة وفقدوا الأمل أمام أولى العقبات، وكثر منهم فضلوا الانسحاب بحثاً عن حياة مختلفة  وكان همّ البعض اقتناص الفرص لجمع الثروة. أمام هذا الواقع أليس من الأجدى أن نتساءل من يستحق العطف والشفقة، تلك الفتاة وأمثالها أم نحن؟ وهل من يملكون ذلك الشغف والإصرار معوقين، ونحن أصحاء؟!