ثقافة

فايز قزق في بيت القصيد: أعمل في التلفزيون كي أعيش، وأعمل في المسرح كي لا أموت

“لن أبدل وطني بجنان الخلد، ودمشق بالنسبة لي أكثر من وطن، وسيبقى جواز سفري الوحيد الذي أحمله وأجول فيه في كل مكان في هذا العالم هو الجواز السوري، ليس إلا” هي الكلمات التي رد من خلالها الفنان الكبير على الإشاعة التي طاولته أواخر العام الماضي بأنه تخلى عن بلده ورحل إلى السويد طالباً اللجوء.
ابن المسرح والذي يعتبر أحد القلائل في عالمنا العربي الذين يمنحون العرض روحاً متألقة ومتوهجة لا يمكن مضاهاتها، لكنه لم يحرم الشاشتين من هذا الألق، فعرفنا له أعمالاً تلفزيونية وسينمائية حملت ذات الروح المتوهجة.
في حواره مع زاهي وهبي على قناة الميادين اعترف الفنان الكبير فايز قزق أنه تنقل بحلمه من الالتحاق بالجيش فالطيران إلى كرة القدم فالاهتمام بالعلوم الطبيعية، لكن الأقدار الجميلة قادته إلى أبواب المعهد العالي للفنون المسرحية، ليكون ما هو عليه اليوم.
لا يستهين قزق بـأي دور يقدمه سواء على خشبة المسرح أو على الشاشة مهما بلغت مساحة الدور فجميعها على السواء تحمل من الجهد ما يجعلها أفضل مايمكن، بالرغم من صعوبة بعض الأدوار لدرجة مرجعيتها التاريخية.
يبتسم وهو يعترف أن الجائزة الوحيدة التي ميزها من بين عديد من الجوائز التي نالها هي جائزة أفضل ممثل عن دوره في مسرحية “حمام بغدادي” بمشاركة الراحل نضال سيجري وحين يسأله مضيفه لِمَ؟ يقول:”في جوائز المسرح حين تنتزع الجائزة من فرقة روسية، وهم أهل المسرح، حينها تكون للجائزة نكهة أخرى”.

الفن والسياسة
وبرغم أنهما لا يتطابقان يؤمن قزق أن الفن والسياسة لا يمكن أن ينفصلا، هو الذي حلم في البدايات بتجسيد شخصية المناضل العالمي تشي غيفارا وابن سينا وابن السيار النظار، يقول:”هي شخصيات لها حكايات مع العلم والمعرفة والفلسفة”.
“ماالذي يعنيه لك المسرح” يسأله وهبي وقد عاين عشقه للمسرح فيقول:”التوازن، بعد هذا العمر مع المسرح، المطلوب هو توازن الإنسان مع ذاته” ويكمل أن توازنه يتحقق من خلال تواجده مع هذا المجموع من الأشخاص بالإضافة إلى الناس العاديين الذين يحب التواجد معهم ويضيف:”إذا ضيعتوني بالشام بتلاقوني في مقهى الروضة” ذلك لإيمانه أن هؤلاء الناس يمنحونه براءتهم التي يمكن أن يفقدها من خلال لقب نجم أو فنان الذي يرتب لحامله أحياناً قناعاً مختلفاً عن قناع الإنسان الخاص به.
قزق الذي حاول من خلال الأدوار المتنوعة التي شكلت منجزه المسرحي،  الالتصاق بملح الأرض قدم شخصيات تنتمي إلى من نسيتهم الحياة بشكل أو بآخر يقول:”في حمام بغدادي هناك أشخاص تقريباً رثاثة إنسانية باقية أرواحهم ذهبت لكن أجسادهم بقيت هنا معلقة” مانحا المسرح لقب الثائر على الكسل:”كسل كل شيء تخيل أننا أمة اقرأ ونحن لا نقرأ، بمعنى أن تفعل عقلك لا تقرأ بالمعنى الحرفي للكلمة”.

المؤسسة لم تعد مؤسسة
كل هذا الدور والعمق الذي يمتلكه المسرح لكنه دائما ما كان على الهامش باستثناءات بسيطة وقليلة، فاقداً للتأثير المنشود في الناس، ذلك لأنه كان دائماً محارباً فهو:”واضح سافر لا يضع على وجهه قناعاً” فعلى خشبة المسرح لا يمكن للممثل أن يكذب أمام تباين حساسيات الجمهور المتواجد أمامه ويتابع متهماً:”حتى الولايات المتحدة خشيت من تلك الاجتماعات الحرة في المسرح والسينما خشية أن تفعّل أفكاراً اشتراكية قومية شيوعية وطنية دينية وسواها” معتقداً أن جميع الأنظمة العربية يمكن الحديث عن إدانتها في هذه المسألة، مؤمناً أنه لو تطور المسرح تطوراً منطقياً كان بإمكان دمشق أن تستوعب أعداداً مضاعفة من الفرق المسرحية خصوصاً أن المراكز الثقافية كانت عبارة عن مشروع طموح لإيصال المسرح إلى كل مكان، معتبراً أنه وبالمقارنة مع ما قدمه المسرحيون السوريون الكبار في أزمنة سابقة، والذين وصلت عروضهم إلى أماكن بعيدة وحدود كبيرة لم يقدم شيئاً:”هناك دائماً ما نسميه للأسف المؤسسة التي لم تعد مؤسسة” بالإضافة إلى الفساد الذي ينتشر على كامل الساحة العربية، مؤكداً على أن المسرح شرط من شروط الحياة المدينية؛ يسبقها في هذا الرواية بما تحويه بتعدد شخصياتها والإرادات المتصارعة وسواها من مقومات، تكون مع المسرح والسينما ولقاء الإنسان بالإنسان؛ سداً في وجه تحول المدينة إلى قرية كبيرة فاقدة العقل:”كل المدن العربية الكبيرة التي اختفى منها المسرح والسينما؛ أو جمّد مسرحها ليصبح مسرح هشك بشك أو مقاولات أو سواها إنما جرى كي تكون المدينة مجنونة غير معروفة المعالم، عشوائية بتركيبتها الفكرية والبنيوية”.

التلفزيون أداة قمع
يسأله محاوره وقد وصف التلفزيون يوماً بالصناعة القذرة التي تعمل على تلفزة العقل العربي، فهو كآلة جبارة بقيت موالية لرحم الصناعة القذر والذي عملت الولايات المتحدة على تطويره وعولمته؛ ليقوم بواسطة فضائياته بتلفزة العقل العربي وغير العربي مع سواه من المنتجات التكنولوجية الحديثة من موبايل وانترنت مختطفة الإنسان إليها:”في هذه الحالة لم شاركت في أعمال تلفزيونية؟ يجيب بوضوح:”قلتها قبل أيام وأقولها اليوم؛ أنا أعمل في التلفزيون كي أعيش، وأخدم في المسرح كي لا أموت” مشيراً إليه كأداة قمع في وجه رائحة المسرح التي حملها معه، لكن المشاركة في الأعمال التلفزيونية تمنحه مصداقية وشهرة عليه ألا يخسرها، مرجحاً كفة المسرح العاقل والسينما والرواية العاقلة، محملاً وزارة الثقافة في أوقات السلم مهمة وزارة الدفاع التي من واجبها العمل على تحصين العقل، في محاولة لازمة لإعادة الاعتبار للخشبة والرواية والسينما.

أداة خلّاقة
وكيف ينعكس عليك ما تعيشه سورية اليوم؟ يجيبه:”علي أن أبقى في شوارع دمشق مع الناس العاديين”.
هل فكرت بالرحيل يوماً؟ في إشارة إلى إشاعة اللجوء التي تحدثت عنها بعض المواقع والصحف.
يقول:”الأذكياء الذين أعطونا الكمبيوتر، كانوا يعلمون ماذا سنفعل بهذه الأداة الخلاقة، ويتابع:”هي خلاقة على مستويين؛ إما أن تكون خلاقة لمزيد من الإبداع، أو خلاقة شاحذة كسكين”.
يختصر فايز قزق تجربته السينمائية بأفلامه “رسائل شفهية وخارج التغطية وما يطلبه المستمعون” وثلاثتها كانت من إخراج عبد اللطيف عبد الحميد، وجميعها تجارب أعطته نوعاً من الفهم لما يمكن أن يكون على مستوى السينما من لملمة للجمهور، بالإضافة إلى مشاركته مع المخرج الكبير نجدت أنزور في فيلم”داعش فانية وتتبدد” مؤكداً على صعوبة العمل المسرحي في ظل ما تعانيه سورية من حرب إلا بدعم الدولة، وعلى الدراما أن تعمل على إبقاء عجلتها تدور، مؤكداً على أن دورها لا يكمن في الإشارة إلى الحفرة، بل التنبيه إليها قبل الوقوع فيها، مشيراً إلى أنه يتمنى لو استطاع أن يقول على التلفزيون ما يمكن قوله على خشبة المسرح ولكن؛ ينهي أنه بالرغم من أن عدداً من الأعمال حاولت أن تقول شيئاً هاماً كـ”رياح الخماسين والمفتاح ولعنة الطين” لكن أعمالاً أخرى لا يمكن لها أن تقول ماتريد ليس على تلفزيونات العرب كلها فقط إنما على تلفزيونات العالم أيضاً.

بشرى الحكيم