ثقافة

في أول تجربة إخراجـيـة لـهـا نسرين فندي: “زبيب” ولدي البِكر

بعد أن اختبرت التمثيل على خشبة المسرح وشاركت في العديد من المشاريع المسرحية الموجهة للطفل تخوض الفنانة نسرين فندي اليوم أولى تجاربها المسرحية من خلال مسرحية “زبيب” التي تبدأ عروضها مساء غد السبت على مسرح القباني، مؤكدة في حوارها مع “البعث” على أن الإخراج بالنسبة لها مشروع قديم منذ أن كانت طالبة في المعهد العالي للفنون المسرحية ولقناعتها أن الخوض في هكذا تجربة وتحمّل مسؤولية عرض كامل يحتاج إلى الخبرة والإلمام بكل التفاصيل والأنواع الفنية التي يمكن يتم العمل عليها، وقد أخّرت تحقيق رغبتها في محاولة لإغناء رصيدها الفني من خلال المتابعة والمشاركة كممثلة في الأعمال المسرحية، مبينة أن هذا الرصيد شكّل لها اختباراً من نوع ما لتمتحن قدرتها على قيادة العمل المسرحي، خاصة وأن الإخراج عمل مختلف عن التمثيل، حيث أن الممثل لا يعنيه إلا دوره وتقديم شخصيته بأفضل صورة ممكنة، في حين أن الإخراج يتطلب من المخرج الاهتمام بكل ما يتعلق بالعرض شكلاً ومضموناً، وبالتالي يتحمل المخرج هنا مسؤوليات كثيرة لا يتحملها عادةً الممثل، وأكدت فندي أنه وعلى الرغم من كل الصعوبات التي تواجه المخرج في إنجاز عرض من العروض إلا أن المتعة الكبيرة التي تنسيه كل ذلك هي عندما يرى العرض وقد اكتمل وأصبح منجزاً على الخشبة فيتذكر حينها اللحظة التي أمسك بها النص وهو مجرد كلمات لا حياة فيها وقد أصبح مجسَّداً بشخصيات من لحم ودم، لها عوالمها وحياتها وقصصها، حينها لا يشاهد أمامه إلا قطعة منه وقد أصبحت على الخشبة، وهنا تكمن متعته وسعادته –برأي فندي- خاصة إذا كان العمل هو العمل الأول للمخرج كما هو الحال بالنسبة لها الآن، حيث انتظارها له على أحرّ من الجمر، وإن كانت متأكدة من أن عملها سيصل إلى الناس فهذا لأنها بذلت كل جهدها لتقديم عرض يحظى بحبِّ الجمهور.
الممثل أولاً
ولأنها ممثلة بالدرجة الأولى وتقف على خشبة المسرح منذ أكثر من عشر سنوات لم يكن من السهل على نسرين فندي أن تبتعد كممثلة عن “زبيب” ولإصرارها على عدم الخلط بين نسرين الممثلة ونسرين المخرجة قررت منذ اليوم الأول لها في التدريبات ألا تعتلي الخشبة كممثلة، وهذا ما حصل فعلاً بسبب قوة إرادتها، خاصة وأن الخشبة بالنسبة لأي ممثل أمر مغرٍ جداً.. من هنا رأت أنها خاضت تحدٍّ كبير مع نفسها ومع الممثلين المشاركين في العمل لأنها أرادت ألا  تؤثر بهم من موقع الممثلة، وهذا ما جعلها تترك الأمور تأخذ مجراها الطبيعيّ حتى لا تستنسخ عنها ممثلين آخرين في العرض، انطلاقاً من قناعتها بأن الكثير من الممثلين الذين يلجأون إلى الإخراج يقعون في مطبِّ جعل الممثل يمثل بطريقته، وهذا ما حاولت فندي ألا تقع فيه، لذلك تركت الممثلين يخلقون هويات شخصياتهم، أما الأمر الإيجابي في كونها مخرجة اليوم وقد كانت ممثلة بالأمس هو أنها تعرف ما قد يمر به الممثل وما يجعله مرتاحاً في أي عمل، في حين أن المخرج الذي لا يمثل يأتي إلى المسرح وكل تفكيره منصبّ على الإضاءة والتقنيات الأخرى، وقد ينسى ما يعانيه الممثل، وذلك لا يحدث عادةً حين يكون المخرج ممثلاً.. من هنا أشارت فندي إلى أنها حاولت كثيراً أن تراعي الممثل بالتوازي مع اهتماماتها الأخرى كمخرج، مشيرة إلى أنها كمخرجة في هذا العمل كان جلّ اهتمامها منصباً على الممثل انطلاقاً من قناعتها أن كل العناصر الأخرى في العرض المسرحيّ يمكن الاستغناء عنها إلا الممثل، فهو العمود الفقريّ في أيّ عرض، وبالتالي إذا لم يتم الاشتغال عليه جيداً لا يمكن أن ننتج عملاً هاماً، وهذا ما ركزتْ عليه في عملها هذا والذي عماده بالأساس الممثل الذي يحكي حكاية العرض المسرحي، منوهة إلى وجود وجوه شابة في العمل كمجد مشرف وشادي قاسم والممثلة الشابة روجينا رحمون، إلى جانب الممثلة المعروفة رنا جمول والفنان محسن عباس، مبينة أن التعامل مع شادي قاسم كان مختلفاً لشعورها بمسؤوليتها تجاه هذا الفنان الذي يقدم نفسه لأول مرة خارج مشاريع المعهد المسرحي، فحاولت أن تقدمه بأفضل صورة ليكون هذا العمل جواز مرور له بعد تجربة المعهد، موضحة أنها راهنت على الشباب المشاركين معها لأنها سبق وأن عملت مع بعضهم وتعرف نقاط قوتهم وضعفهم، إلى جانب معرفتها التامة بالفنانة رنا جمول التي التقت معها في أكثر من عمل، لذلك تشعر فندي أنها محظوظة بهذا الفريق من الممثلين، موضحة أنها لجأت إلى الشباب لأن العمل يتضمن الحديث عن ثلاثة أجيال (الجد-الأب-الابن) أما الحكاية فهي حكاية حب بسيطة بين شاب وشابة، وحين يتوجه لخطبتها يشترط الأب عليه أن يسبقه في سباق الهجن، وليحقق الشاب ذلك يبدأ بالبحث عن الجمل الذي يستطيع أن يفعل ذلك، ومن خلال بحثه يكتشف قصصاً كثيرة فيأتي إلى المسرح ليسأل إن كان أحد يعرف هذه الحكاية ليساعده في إيجاد الجمل حتى يستطيع أن يتزوج بحبيبته.

الحب هو الحل
وبيّنت نسرين فندي أن ما أعجبها في النص الذي كتبه عدنان العودة أنه يبدو للوهلة الأولى بسيطاً ومجرد حكاية حبّ إلا أن البحث في تفاصيله يشير إلى أنه يحكي عن كل ما يحدث معنا اليوم ونمر به، ويلخص ذلك ما يقوله أحد الممثلين في العرض: “إذا ضاعت مني خيمة ضاعت البلاد” وتؤكد المخرجة أن العرض لم يتحدث بشكل مباشر عن الأزمة وإنما عن الحل، منوهة إلى أنها ملَّت من العروض التي تتحدث عما يحدث يومياً لأن ذلك بات معروفاً ومعاشاً من قبل الجميع، وبالتالي فإن المطلوب هو عروض تتحدث عن الحلول، والنص يحكي عن الحب الذي هو حل لكل ما يحدث لأننا في النهاية مثل الزبيب نبقى جميلين مهما فعلت بنا الأيام، موضحة فندي كذلك أن النص يحكي عن الرقة وبلهجتها ليقول أنه مهما اشتد السواد فيها سترجع كما كانت لأن أهلها جميلين ويحبون الحياة والفرح والحب.
أعمال الحرب
وعن الأعمال التي تحدثت عن الحرب بشكل عام وتناولتها بشكل مباشر بيّنت فندي أنها شاركت في عرضين منها: “هدنة” و”نبض” وهي عروض ضرورية وكانت مناسبة في وقتها حينما كنا نفرد أوراق الحرب فكان الحديث مباشرة أمراً واقعياً، أما اليوم فهكذا عروض لم تعد مناسبة وقد تخطينا مراحل كثيرة، والمطلوب من الفنانين في هذه المرحلة تقديم حلول في أعمالهم ليقوم كل واحد منهم بدوره في الحياة.

بعيداً عن التأثر
وباعتبار أن فندي عملت بإدارة العديد من المخرجين السوريين المتميزين ومخرجين أجانب من فرنسا والدانمارك وإسبانيا ينتمون لثقافات مختلفة فقد أكدت أن هذا التنوع حصّنها من الوقوع في مطبِّ التأثر بأحد منهم رغم أن البعض حاول أن يطبّعها بطابع معين، وهذا لم يتحقق، مع تأكيدها أنها استفادت من كل مخرج، فهي على سبيل المثال تعلمت من المخرجين الأجانب العمل على الممثل واعتباره الأساس في أي عرض مسرحي.

مسؤولية كبيرة
وأشارت فندي إلى أنها أكبر ناقدة لنفسها، خاصة وأن تجربتها الإخراجية هي الأولى، والجميع ينتظر ما ستقدمه، وهذا برأيها حمّلها مسؤولية كبيرة اتجاه أبسط التفاصيل، حيث كانت حريصة كل الوقت على تقديم عمل ينال النجاح وتكون فيه عند حسن ظنِّ من وثق بها، وخاصة مديرية المسارح والموسيقا التي أعطتها هذه الفرصة انطلاقاً من مشاركاتها المسرحية في مشروع “حرف” وتجاربها المسرحية في مجال التمثيل.
وختمت الفنانة نسرين فندي حوارها موضحة وبعد تجربتها الأولى في عالم الإخراج أنها لا تستطيع عبر تجربة واحدة أن تحدد إلى أية مدرسة إخراجية تنتمي لأن الوقت مازال مبكراً لذلك، وكل ما تعرفه أنها استمتعت كثيراً بالتجربة التي تتمنى أن تلقى الإعجاب ليكون لها فيما بعد تجارب أخرى.
أمينة عباس