ثقافة

المتعة الجمالية والحس الفلسفي في المجموعة القصصية “ساحة الإعدام”

الحياة الحب الوفاء، الخوف الحزن القلق، مفردات لحالات إنسانية تنبض بها المجموعة القصصية “ساحة الإعدام” الصادرة عن دار بعل للنشر والتوزيع للكاتب أحمد الخليل. وقد عبر الكاتب في مجموعته هذه عن هواجس وأفكار ربما عاشها هو وربما عاشتها شخصيات أخرى عايشها الكاتب وكان على تماس مباشر معها فدوّنها في نسيج قصصي سلس وممتع بلغة بسيطة واضحة يقدم من خلالها خلاصة تجارب تشبه كثيراً ما نعيشه من تفاصيل، وهذا ما نلمسه في قصة “ساحة الإعدام” التي حملت المجموعة اسمها، والتي تحمل أحداثها انعكاساً لحالات نعيشها وتؤكد أن ما يكتب من أدب ما هو لا تعبير عن أفكار ورؤى تخالج أرواحنا لكننا لانعيرها اهتماما أو لانستطيع الإفصاح عنها. تضم المجموعة تسع قصص استمد مواضيعها وأفكارها من واقعه وبيئته التي يعيش فيها، بوجدانية وروحانية قدم فيها عبر ذاكرته الحية وخياله النشط حالات إنسانية تنشد الحياة بكل خياراتها وانفعالاتها، حيث تكشف لنا بعض القصص عن شخصيات تفكر بقضايا إنسانية بالغة الأهمية في حياتنا باعتبار البشر كائنات تحب التواصل، بينما نعيش في عالم أخذنا في زحمته وجرجرنا في متاهاته وانشغل كل واحد بحياته الخاصة بعيدا عن الناس والمجتمع مما رسخ سلبية العلاقات الإنسانية.
اتخذ الخليل أسلوباً مختلفاً في تناول موضوعاته، فبدءاً من الإهداء الذي يقدمه لأمه نلحظ التمايز في رؤيته لفن القص حيث الإهداء يوحي بالهاجس الذي تدور في فلكه قصص المجموعة ويقول فيه:
“إلى روح أمي.. عاشت كما أراد لها الآخرون أن تعيش.. وماتت كما أرادت (واقفة كالأشجار) وهو الحلم الوحيد الذي حققته”.
كما اعتمد على تمهيد لكل قصة بمقدمة أدبية أو شعرية لأديب أو شاعر، تكاد هذه المقدمة أن تلخص فحوى القصة، فيقدم لقصة “ساحة الإعدام” التي حملت المجموعة اسمها بمقطوعة شعرية للشاعر اليوناني يانيس ريتسوس: (الثلاثة بأسرهم.. ذاك الذي تراجع خطوتين إلى الوراء.. كي يشير إلى المذنب.. ذلك الآخر وضع يديه في جيبه.. كي لايشير إلى المذنب.. الثالث أغلق عينيه.. كي لايرى.. أعدموا رمياً بالرصاص). وقد لخص لنا في هذا التمهيد الفكرة التي تدور حولها الحكاية بأسلوب ترميزي أسقطه على راهن يتكرر في كل الأزمان، يقول: (قررت المحكمة الخاصة إنزال عقوبة الإعدام شنقا حتى الموت بالمجرمين الماثلين أمامنا، المتنكرين أمامنا بهيئة أرواح، عقوبة لهم وردعاً لغيرهم من الأحياء والأموات لتجرئهم على المساس بالأمن وترويع السكان الآمنين).
ويمهد لقصة “الهدية” ببيت للشاعر بشار بن برد يقول:
لو كنت اعلم أن الحب يقتلني
أعددت لي قبل أن ألقاك أكفانا
هذا البيت يعبر عن حالة الصراع التي يعيشها المحب بينه وبين نفسه من أجل إرضاء حبيبته فيحاول اختيار هدية ترضيها وتبقى عربون محبة أبدية، فيناجي نفسه ويسألها:
“ما الشيء الأبقى والمقاوم للزمن والذي قد يفنى كمادة ويبقى أثره محفورا نلتفت إليه لنعيد إحساسا تشكل في الماضي، يعاودنا الحنين إليه كل حين، فاشترى لها ديوان (نزار قباني) ظناً منه أن هذه الهدية ستكون كسرا لروتين الهدايا بينهما، كيف لا وهو منذ وعيه الأول يعتبر الشعر الناطق الوحيد باسم الحب والروح، ليكتشف كم هو حالم وغريب وواهم”.
ويختار الكاتب عبارات من كتاب “قواعد العشق الأربعون” للكاتبة أليف شافاق كتمهيد لقصة “امرأة من برج الثور” (لاقيمة للحياة من دون عشق، لاتسأل نفسك مانوع العشق الذي تريده، روحي أم مادي، ليس للعشق تسميات ولا علاقات ولا تعاريف، انه كما هو نقي وبسيط.. العشق ماء الحياة والعشيق هو روح النار، يصبح الكون مختلفا عندما تعشق النار الماء). هذه العبارات التي تؤكد تسامي الروح عن ماديات الحياة حيث حالة العشق التصوفي تجعلها في حالة ارتقاء لعالم المثل والقيم، لتستطيع تحمل أعباء الحياة وتعبها.
لقد أتت شخصيات القصص كلها نابضة بالحياة تعبر عن هواجسها وأحلامها بكل صدق وعفوية، وقد استطاع الكاتب أن يجعل القارئ يعيش قصصاً وحكايات تعكس بصورة تهكمية عنف الواقع وخشونته، والمتأمل في أسلوب المجموعة، يتحسس فيه البساطة والإيحاء والتكثيف والتركيز والوصف والقدرة على تسلسل الأحداث وترابطها، مشتغلا على التوازي بشكل كلي راسما الفجوة الهائلة لتسليط الضوء على حجم الهزائم الذي أصابت شخصيات المجموعة، كما أن حضور صوت الكاتب الذي يروي تجربته وما تقع حواسه عليه مع مخاطبته الصورة التخيلية لذاته في لغة  تجسد أزمتها في زمان نفسي يمتد للكشف عن الدوافع التي حركت شخوصه وأحاسيسه لتقمص الأدوار على التوالي، جعل مجموعة “ساحة الإعدام”  تتسم بالواقعية الوصفية التي تنقل الواقع راسمة الخط الواصل بين الظاهر والأعماق، يدعمها التمهيد الذي قدم عبره لكل قصة.
سلوى عباس