بعد أن أصبح فيلمه “فانية وتتبدد” جاهزاً للعرض المخرج نجدت أنزور: الفيلم كابوس ومن سيشاهده سيتوجع كثيراً
مخرج كانت لديه ومنذ البدايات الجرأة الكافية لأن يتصدى لموضوعات خطيرة، وكانت رحلته مع الإرهاب والتطرف من خلال أعمال سلطت الضوء على التطرف الديني وما أنتجه من إرهاب، فخاض في حقول من الألغام بدءاً من “الحور العين” و”المارقون” و”ما ملكت أيمانكم” التي حذر فيها من التطرف وقدم فيها قراءة مبكرة لخطورة ما يحدث اليوم، مستشعراً فجائع النتائج، فاتُّهم بالمغالاة والتهويل حينها، إلى أن وقع المحظور الذي نحن فيه.
فانية وتتبدد
لم يتخلَّ نجدت أنزور عن مسؤولياته اليوم على الرغم من الأخطار المحيطة به في ظل التهديدات التي نالته من قبل المجموعات الإرهابية المتطرفة، فأنجز فيلم “فانية وتتبدد” مؤخراً، معترفاً في بداية حوار “البعث” معه أنه لم يعلن عن الفيلم إلا بعد الانتهاء منه نتيجة التهديدات التي تعرض لها، ولاختياره عن سبق إصرار لأماكن شديدة الخطورة لتكون مكاناً تدور فيه أحداث الفيلم الذي يكشف ممارسات العصابات الإرهابية الإجرامية فيه، وهو مكان مفترض من سورية يشبه كل مكان يمكن أن يحلّوا فيه، مشيراً أنزور، وفي هذه الظروف إلى أنه قد تغير كثيراً كإنسان وكمخرج، فأصبح أكثر نضجاً على كل المستويات، متأكداً اليوم وبعد أن غاص كثيراً من خلال فيلمه “فانية وتتبدد” في عقلية وفكر هذه المجموعات أن كثيرين سيفعلون ذلك، وهذا هو المطلوب برأيه طالما أن ما يقدَّم فيه مصلحة للوطن، مؤكداً على مسؤولية الجميع في كشف حقيقة ما يحدث في سورية، وحقيقة هذه العصابات بحيث يجب ألا تمر ظاهرة داعش والمجموعات الإرهابية علينا مرور الكرام، وهنا يأتي دور السينما برأيه، حيث يجب أن يكون لها فعل حقيقيّ لمواجهة هذه الظاهرة، أما التخوف من التطرق إلى هكذا مواضيع فهو غير مبرر لأن الفنان يجب أن يتحمل مسؤوليته من خلال تقديم أعمال تحث الناس على التفكير.
إظهار حقيقة داعش
ونوّه أنزور إلى أن أولوياته في مشروع “فانية وتتبدد” الذي أصبح مترجَماً لأكثر من عشر لغات، والذي سيُعرَض في كل مكان في العالم، أن يتجه بالفيلم إلى الغرب لأنه ساهم في هذه الأزمة التي أصبحت ترتد عليهم ليفهموا أبعاد ما صنعته أيديهم، مبيناً أن “فانية وتتبدد” مشروعه وصاحب فكرته، مشيراً إلى أن كاتبة السيناريو ديانا كمال الدين كانت بعيدة كل البعد عن الموضوع، وحين قرأت الدراسة الدرامية التي كتبتها د.هالة دياب عن العمل تطوعت لكتابة السيناريو بشكل يوصل الهدف المنشود منه وهو تسليط الضوء على عقلية عصابات داعش، فقدمت محاولتها الأولى التي أذهلته، خاصة وأنها تكتب السيناريو لأول مرة، موضحاً أن العمل خرج بثلاثة مستويات: مستوى ثقافي وفكري عالي المستوى فيه فهم عميق لطبيعة الموضوع المطروح بعيداً عن المصطلحات المعقدة، من خلال قدرة ديانا الكبيرة على توظيفها لصالح الفكرة وصياغتها عبر الشخصيات بحيث تتحدث كل شخصية بلسانها، وهذا ما تفتقد إليه معظم السيناريوهات التي تُكتَب والتي تحكي فيها كل الشخصيات بلسان الكاتب، أما المستوى الثالث الذي تضمنه الفيلم كما أشار أنزور فهو ذلك الربط البصري بين المشاهد كلها بهدف إيصال الفكرة المرادة، معترفاً أنه سبق أن أنجز فيلمين هما “حكاية شرقية” و”ملك الرمال” وقد اعتمد فيهما على الجزء الإخراجي، بينما في “فانية وتتبدد” اتكأ على أساس متين (سيناريو جيد) وانطلق منه إلى عمل رؤية فنية، مبرراً ذلك -وهو المعروف بانحيازه للصورة- أن الموضوع اليوم هو الأساس، وأن الصورة والإبهار ليس لهما مكان الصدارة في هذا الفيلم، منوهاً إلى أن داعش قدمت إبهاراتها الإجرامية على الشاشة التي لا يمكن مجاراتها ولا في أي فيلم خياليّ. من هنا تجنب أن يقدم ذلك في فيلمه لأنه إن فعل لا يكون قد أتى بشيء جديد، لذلك زاوج بين ما هو بصريّ وبين حسّ الممثل بتقديم فيلم لا يتحرك فيه المشاهد حين متابعته من خلال قصة مشوقة مقدمة بإيقاع متماسك.
الفيلم روائيّ مبتكر
ولأن الهدف من فيلمه هو أن يرى العالم حقيقة داعش ومن وراءها وكيف يفكر هؤلاء الناس تجنب أنزور في فيلمه تقليد ما هو موجود عن داعش في اليوتيوب لأنه لا يريد تكريس ما يُعرَض فيه، خاصة وأن السوري عرف ممارساتها عن قرب، لذلك حرص على تقدم رؤية فنية عنها، مستعيناً في الفيلم بالفنان التشكيلي بديع جحجاح حتى لا تكون الديكور والألوان والإكسسوارات عادية، خاصة وأن الفيلم ليس وثائقياً وإنما هو فيلم روائيّ مبتكر يمت للحقيقة بجزء منها أو بكاملها، دون أن ينفي أنزور أن فيلمه يشبه الكابوس، ومن سيشاهده سيتوجع كثيراً.
وعن اعتماده على عدد كبير من الأطفال في هذا الفيلم رفض أنزور أن يعتبر ذلك مغامرة، وهو راضٍ كل الرضا عن النتيجة التي خرجت جراء مشاركتهم، مبيناً أن الأطفال تم انتقاؤهم بعناية كبيرة وبعد عدة اختبارات وخضوعهم للتدريب، موضحاً أن التفكير بعمل خاص بالأطفال أمر غير وارد بالنسبة له، مع إمكانية إنجاز أعمال يكون الدور الأكبر فيها للأطفال .
وأكد أنزور أنه حاول الابتعاد عن إغراء نجومية أي فنان فوضع الفنان المناسب في الشخصية المناسبة، ولأن دور ثريا في الفيلم دور هام ويحتاج إلى فنانة حقيقية موهوبة كان خياره الفنانة رنا شميس التي أبدعت برأيه فيه ويتوقع لها أن تحصد جوائز عديدة على هذا الدور.
الفنان لاينسلخ عن مجتمعه
لم ينكر أنزور أن بعض الفنانين رفضوا المشاركة في هذا الفيلم خوفاً على حياتهم، مبيّناً أن لكل شخص ظرفه ووضعه، وهو لا يمكن أن يوجه الاتهام لأحد، مع قناعته أن البعض تخلى عن مسؤولياته بسبب الخوف والقلق وعدم فهم أسباب الأزمة، مؤكداً في الوقت ذاته أننا كسوريين كنا ومانزال مقصرين جداً تجاه الأزمة، مشيراً إلى أن ما يحدث اليوم سينتهي وأن الدمار لن يعمره إلا السوريون الذين بقوا في البلد، منوهاً إلى أن هذه الحرب خلقت جيلاً جديداً استوعب الصدمة وهضمها، وبالمقابل هذا سيؤدي إلى ظهور ظواهر ومشاكل جديدة، وهنا يأتي دور الفنانين برأيه بحيث لا يكونون غائبين عن ذلك، وبالتالي فالمطلوب إنجاز عشرات المسلسلات، والأفلام، والأغاني لنحاكي هذه الأزمة، ولنجلد ونحاسب أنفسنا على الأخطاء التي ارتكبناها، لأننا كنا في بعض الأحيان وقوداً للمؤامرة الكبرى التي حيكت ضدنا.
وعن المخرجين الذين يتجنبون التطرق للأزمة بحجة أن الوقت مازال باكراً، أكد أنزور أن هذا الكلام بعيد عن الدقة، لأن عدم الحديث عن الأزمة التي نعيش تفاصيلها ليلاً ونهاراً أمر مستحيل، خاصة أن انسلاخ الفنان عن مجتمعه أمر مرفوض، مستغرباً إصرار البعض على القول بأن الوقت ما زال باكراً للحديث عن الأزمة فنياً، ويرى أن ذلك قد يبدو صحيحاً على صعيد تحليل ما يحدث، أما الأزمة بحد ذاتها فالحديث عنها هو أقل ما يجب أن نفعله، ونحن نعيش كل تفاصيلها، وواجب الفنان في هذه الأزمة هو أن ينبه إلى الخطر المحيط بنا دون أن يتهرب من المسؤولية، كما فعل كثيرون، موضحاً، «أنزور»، أن الدراما قصرت كثيراً في فترة من الفترات، أما خلال الأزمة فلا يعتقد أنها كانت كذلك، ولو أنه مقتنع بأن الإبداع يحتاج إلى وقت ومال، وأن أعمالنا مازالت بعيدة عن العمق، وإن كان هو أكثر من غاص في حقول الألغام، منوّهاً بأن أبسط الأمور أن نتعامل مع الأزمة بشكل آني ويومي، وهذا ما هو مطلوب اليوم لنقي أنفسنا صدماتها في هذه المرحلة التي مازلنا فيها، برأيه، نستوعب هذه الأزمة دون أن نصل إلى مرحلة ردة الفعل، مشيراً إلى دور الدراما الكبير إذا كنا مؤمنين بهذا الدور، ودورها في هذه الفترة برأيه تشجيع الناس على التصدي للعصابات الإرهابية بكل الوسائل، بدلاً من الجلوس، ومشاهدة ما تفعله داعش في سورية على اليوتيوب، ومن المعيب، برأيه اليوم، أن يهرب الشاب من الجندية، بدلاً من الانضمام للجيش العربي السوري للدفاع عن الوطن الذي هو الأساس، وهو الكرامة، والعزة، والكبرياء.
لا يفيد الترميز
أكد أنزور أنه وفي كل أعماله ابتعد عن المبالغة، وقدم أعمالاً واقعية تنهل من الواقع لا من الخيال، وعن المباشرة في أعماله رأى أنه لجأ في العديد من أعماله إلى الترميز: (الجوارح- الكواسر- الموت القادم من الشرق)، أما اليوم والأزمة دخلت إلى كل بيت، فماذا يفيد الترميز برأيه وقد بات الالتفاف على الموضوع اليوم أمراً غير مقبول؟ متسائلاً: من قال إن الفن ليس مباشراً؟ لذلك كانت رسالته في الفيلم واضحة، وصريحة، ومباشرة، لا لفّ فيها، ولا مواربة تجاه جماعات إجرامية لم تتوان عن ارتكاب أبشع الجرائم.
وعن مسلسل “امرأة من رماد” بيّن أنزور أنه أُعجِب بالنص لأنه تطرق إلى الأزمة بشكل مختلف من خلال تأثيرها السلبي على نفسية الأم التي فقدت ابنها، مشيراً إلى وجود آلاف القصص التي يمكن أن تنتَج درامياً، مع تأكيده على عدم الاكتفاء بسردها، بل محاولة إيجاد بعض الحلول، مؤكداً على دور السينما الكبير والفعال، والمطلوب برأيه تفعيل هذا الدور، والاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي لعرض أي فيلم حتى ولو مُنِع عرضه، لأن المطلوب اليوم منا كسوريين إيصال الرسالة بأية طريقة، منوّهاً في الوقت ذاته بأن النوايا السليمة لا تكفي في السينما، وأننا نحتاج للمال لكي نستمر، والمطلوب أن نستمر في أعمالنا لتبقى الدراما، والسينما السورية حاضرة تحصد الجوائز في المهرجانات، والمهم اليوم أن نستمر في البناء، لأن السياسات تتغير، وسورية سبق أن تعرضت لكوارث كثيرة، لكنها بقيت صامدة.
وثائقي وعلامة فارقة
وافتخر أنزور بأنه أنجز عام 2014 فيلماً وثائقياً عن الرئيس الراحل حافظ الأسد، ركّز فيه على حياته، وسياسته، ومسيرته التي هي جزء من تاريخ سورية المعاصر، أما لماذا لم يقدم هذه المسيرة روائياً، فهذا يعود برأيه إلى حاجة هكذا فيلم لإمكانيات ضخمة.
وعن الحملات التي تطالب بعرض فيلم “ملك الرمال”، بيّن أنزور أن هذه الحملات محقّة، مشيراً إلى أنه حاول أن يعرض الفيلم في أوروبا وأمريكا، واستطاع عرضه في كندا، وهولندا، في حين رفضت السفارة الأمريكية منحه فيزا إلى أمريكا لعرضه هناك، وقد أُخبِر بصراحة عن رفض السفارة لسفره من أجل الفيلم، لذلك أوضح أنزور أنه شعر إذا استمر في عرضه ضمن عروض خاصة سيحترق الفيلم، والفيلم قيمته أن يُعرَض في السينما، أما في سورية فعرض الفيلم مرهون بجملة من الظروف، مبيّناً، «أنزور»، أنه لا يخشى أن يتعرض فيلمه الجديد لما تعرض له “ملك الرمال”، خاصة أن داعش اليوم قد أصبحت مشكلة عالمية إلا إذا تم الربط بينه وبين “ملك الرمال” باعتباره للمخرج نفسه.
وختم أنزور حواره مؤكداً على وجود مشاريع كثيرة في ذهنه، لكنها مازالت غير متبلورة، وأن همه اليوم تسويق فيلم “فانية وتتبدد” بالدرجة الأولى.
يُذكر أن “فانية وتتبدد” من إنتاج المؤسسة العامة للسينما، بالتعاون مع شركة نجدت أنزور، وهو من تمثيل: فايز قزق- رنا شميس- زيناتي قدسية- بسام لطفي- علي بوشناق- مجد فضة، وآخرين.
أمينة عباس