ثقافة

عام الآمال ومجدليّات السلام الواعد

منال محمد يوسف
عام جديد وترانيم من الأمل نتمنى أن تحبو إلينا، ونحبو باتجاه شاطئ الوعد الأجمل، شاطئ المضيّ نحو قادمات الأيام، قادمات الأحلام، وقادمات الأعوام المتجدّدة.
عام جديد وذات الأمانيّ والأمنيات نوقدُ شموعها على وجع، نوقد شيئاً من الحلم المجتلي منا وإلينا، شيءٍ من ألفةٍ ومحبّة نحلم أن تأتي إلينا بعد فرقة دهرٍ، بعد يباب حلمٍ واعد اقترب أن يضيع منا؟! أن يهرب من ويلات ما يحصل.
كل الأعوام تبدو كأنها المساحة الفضلى التي نبتغي العيش فيها، نبتغي الاستقرار فوق شوامخ ما نتمناه، لكن هل تأتي لنا الأعوام بكل ما نبتغي؟! هل تجود علينا بما يداوي الجروح وينعش الروح، هل تجود علينا بأنباء ومفاجآت تقترب شيئاً فشيئاً من نبوءات المنجّمين، أم أنها لا تمشي حسب توقعات الفلكيين وإنما حسب القدرية أولاً وحسب أعمالنا وما تقودنا إليه طموحاتنا.
عام جديد يأتي إلينا نتمناه ليكمل أحقية الدورة الكونية والزمنية، ويرسم لها دوائر من عرض المحبة وطيب دوائرها ومسمّيات المد الأفقي والشاقولي لسلامها الموعود المرتجى. عام جديد وأحلام تتجدّد فينا، وتضاء مدارات الأمل، تضاء في أفق الزمن المضاء بألفٍ من قزحيات تصابي الوقت المرتجى، تصابي الجراحات ونحنُ نودّع عاماً، أخذ معه الكثير من الأحباب، من قدّيسي الشهادة، قديسي الوقت الحالم والموعود، عام جديد تتأطّر فيه كل الأماني، نحاول أن نلوّنها بشيء زاهي الألوان ينسينا أزمنة الموت، ينسينا ثقافة اللون الأسود، وقيح الأيام العابرات.
عام جديد لا نريده مجرّد رقمٍ مضافٍ في حقل التصاعدية الزمنية، وإنما بوابة للعبور إلى أمكنة كانت لنا وستبقى كذلك، ستبقى من مستحقات ما نحلم به، ستبقى من مسوّغات أمرٍ، نكتبه نحن، نكتبه على أملٍ.
عام جديد نسأله بحقّ اخضرار التين والزيتون أن يأتي إلينا دون أوجاع، نسأله بحق شهادة من رحلوا أن يأتي بلسماً يضمّد لنا بعضاً من الجراحات، عام جديد نستودعه أمنياتٍ ما زلنا نعيش على وهج بقائها وألق نقائها، وما زلنا ندور في دوائر عرضها وطولها، ندور حول فينيق الرجاء وانتفاضة طائره، حول كل الأزمنة التي نريدها أن تستظلّ بشجيرات وارفة المحبة والسلام، وارفة الآمال التي لا نريدها أن تُلمح في فناجين القهوة الصباحية وكرّاسات الأبراج التي تباع هنا وهناك، وإنما نريدها نهجاً حياتياً لا بد من أن نتمسّك بعُراه الزاهرة، نريدُ وريقات الأمل دليلاً لأيامنا وأحلامنا، ولكل أعوامنا.
عام جديد لا نريدُ من خلاله التباكي على ما مضى، ولا نريد الجلوس على أطلال ما ذهب مع الرياح وأدراجها، إنما نريدُ الرجوع إلى عُرا هي الأوثق لنا، وهي الذاكرة الأصدق لأعوام مضت بثقل الأوجاع، مضت كقافلة مستعجلة الرحيل ربما، ولكنها بقيت كإرث زمني يحمل الكثير من الدلالات والعلامات الفارقة أو الزاهرة بما كانت تحتويه في وقتها، وفي زمانها الرحب تألقاً بما نصنعه نحن، وربما بما نكتبه ونضعه ضمن إطار التميّز الخلاق، التميّز الفاعل والمنفعل بنا الذي تزيده الأعوام وقاراً، وشيئاً من التقادم الزمني، التقادم الذي يلوّن لنا نبض الاستمرارية ونبض التفاؤل بما هو قادم ومستقدم على وقائع حياتنا، على وقائع أيامنا ودورتها الكونية دورة عامنا الجديد المتجدّد بتجدّدنا نحن، وبقدرتنا على تلوينه بقزحية الآمال وقزحية المحبة والسلام.