نزار بريك هنيدي وكتابه “في الخطاب الشعري المعاصر”
نعاني أزمة نقد, لا نعاني أزمة نص في شتى الأجناس الأدبية, لذلك نبتهج أكثر حين نجد ملمحا نقديا يواكب تطور النص الإبداعي, ويكون حداثويا, ولنقل على الأقل انه يلامس روح النص, ويكشف الستار عنه ويقدمه للقارئ بشكل يساهم في إدخال القارئ للمشاركة كشريك للمبدع في النص. أو لنقل كما قال: جاك دريدا: “القراءة هي فك شيفرة الكتابة”.
يضاف لذلك أن ثمة إشكالية لما تزل عالقة ليومنا هذا بين النقد والإبداع في شتى صنوفه وأجناسه. النص يتطور ويتقدم، بينما المنهج النقدي عندنا تابع لنضيرات وتنظيرات ومناهج الغرب النقدية القديمة, بحيث أن رياح تيارات المناهج الغربية الحديثة وما هو أبعد منها يحتاج لسنوات لكي يقرع علينا الأبواب.
الشاعر نزار بريك هنيدي – الطبيب الجراح- يزاوج بين تميز قصيدته الشعرية وحساسيتها, وبين منهجه النقدي الخاص به، والذي يضيف للمشهد النقدي الشعري العربي إضاءات يشار إليها بالبنان, وتركت وتترك أثرا يساهم في تطوير النص المغيّب عن حالات إبداعية تواكب نضوجه وتطوره. نتلمس ذلك كثيرا في كتابه النقدي الصادر حديثا عن اتحاد الكتاب العرب والموسوم بـ: (في الخطاب الشعري المعاصر), يتابع الشاعر والناقد نزار بريك هنيدي, استمرارية تجربته المتطورة, إن كان على صعيد قصيدته الشعرية, أو منهجه النقدي المتميز.
في مقدمة هذا الكتاب النقدي الهام, مقدمة للشاعر والناقد: هنيدي يقول: “أمّا أنا, فما لحقت قيصرا/ولم أكن أحاول الملك, وما أردت عذرا بعد موت! كل الذي حاولته أن أحفظ الجوهر في تخييل صورة, وفي إيقاع صوت”! – ص 5 –
(في الخطاب الشعري المعاصر) نلحظ عنونات تشكل مساحة ولو قصيرة عن جغرافيا شعرية مساحتها كبيرة, سنجد وقفات قيّمة مع شعراء من بعض بلدان العالم العربي, في هذا الكتاب النقدي الهام.
الشعراء هم: شوقي بغدادي, فايز خضور, ممدوح عدوان, راتب سكر, نذير العظمة, نازك الملائكة, سميح القاسم, يوسف الصائغ, عبد الرزاق عبد الواحد, ممدوح السكاف , البرادعي, جلال قضيماتي, صالح الأصيل, ألطاف حالي.. الخ.
نازك الملائكة وهاجس الموت:
“هل كانت نازك الملائكة, منذ بداياتها الأولى, تتنبأ لنفسها بهذا المصير؟ تقول: حدّثي القلب أنت أيتها المأساة يامن قد سميت بالحياة/ أي قبر أعددت لي؟ أهو كهف, ملء أنحائه الظلام الداجي”؟.
شوقي بغدادي.. يقول المؤلف: لشوقي بغدادي دين كبير عندي وعند أبناء جيلي من الشعراء, والكتاب والمثقفين السوريين. دين لا يقتصر على ما قدمه بغدادي الشاعر والكاتب من منجز إبداعي…”سنبقى مدينين لك بالكثير الكثير, أيها الأستاذ العزيز والصديق الحميم, والإنسان الكبير” – ص 170
في فصل التناص وأشكاله في مجموعة: (أقرب من الأصدقاء- أبعد من الخصوم): للشاعر الدكتور راتب سكر يقول: “لم تعد مقاربة النص الشعري في الدراسات الحديثة, تقتصر على دراسة عناصره التقليدية كاللغة والصورة والإيقاع أو الوزن, بل إن النظريات الحديثة راحت تدلل على عدد من التقنيات التي يستخدمها الشاعر. يذكر هنا مقطع من قصيدة للشاعر راتب سكر:
(لوركا ينام على تلال مدينة/ويداه ضارعتان بالأحلام/لا مرت قوافل مصر, تبعثه وزيرا من غيابته/ ولا ناحت حمامة جده (زيدون) باكية عليه) – ص 205
الكتاب النقدي الهام هذا, ليس الأول للشاعر والناقد نزار بريك هنيدي في النقد, لقد سبق لنا وقرأنا له في النقد مثل: (صوت الجوهر – في مهب الشعر – هكذا تكلم جبران – الخ) .
أحمد عساف