ثقافة

“غاليري كامل” تكسر صمت غيرها من الصالات بإقامة ورشة عمل دائمة

دخلت بعض صالات العرض السورية في حالة سبات لا يعلم حتى أصحابها متى تستيقظ منها، وأصبح حضورها خجلاً، ومعظمها شبه مغلق، ونسيت دورها الداعم للفنان، بل ونأت بنفسها عن الحرب الدائرة في عالمها بحجة أن الفن لا يقاوم الحرب، كما لا تقاوم العين المخرز، وغابت نشاطات بعضها بشكل كلي عن الساحة التشكيلية، حتى إن عتب روادها عليها بلغ حداً وصل إلى مسامعها، لكنها تجاهلته، وغرقت في الصمت، ولكي لا نبخس كل الصالات حقها، علينا أن نقول إن هناك من الصالات من كسر جدار الصمت، واستمر في التواجد والعطاء، لأن الفن لديهم مرادف للحياة بسلمها وحربها، كحال “غاليري كامل” في دمشق التي لم تغلق أبوابها حتى اليوم منذ بداية الحرب كغيرها من الصالات، بل استمرت بالتواجد في الحياة التشكيلية بمختلف السبل، ولعل ورشة العمل الدائمة والمستمرة التي تقيمها “كامل” هي إحدى الطرق لاحتضان فنانين حريصين على العمل رغم الظروف، وللقول إن مريد الفن لا يعرف المستحيل!.فترة ذهبية
“البعث” التي تقصّت تفاصيل الورشة زارت “غاليري كامل”، وأجرت عدداً من اللقاءات ابتدأتها مع مدير الصالة زياد كامل الذي أعطانا نبذة عن تاريخ “الغاليري”، فقال: افتتحت “كامل” في عام 2008 في ظروف كانت مثالية نوعاً ما، حيث كان الضوء مسلّطاً على الفن السوري، وكان الاهتمام بالفنون التشكيلية في سورية بشكل خاص في أوجه، حتى إن بعض الفنانين المعروفين عادوا من المهجر، واستعادوا نشاطاتهم، كذلك كانت تلك فترة ذهبية للصالات الجديدة التي بدأت بالعمل، وبتنشيط الحركة الفنية في سورية، مضيفاً: بدأنا بمجموعة أهداف، أهمها إلقاء الضوء على بعض الفنانين الذين كانوا مغمورين، وكنا نعلم أنهم يستحقون الظهور، وأطلقنا مجموعة معارض فردية وجماعية.
نافذة ومتنفس
وأسأله: على الرغم من انسحاب بعض الصالات واختفائها، بقيت “غاليري كامل” فاعلة وحية، فما هو الهدف والغاية؟! فيخبرنا كامل: في ظل الظروف الراهنة، والأزمات، والحروب، يتأثر معظم أنواع الفن، وخاصة الفن التشكيلي، لكننا أردنا أن نستمر في الحياة، وأن نتمسك أكثر بالبلد، وبدورنا الفني، ومع انخفاض وتيرة النشاط، فكّرنا بإقامة “ورشة العمل الدائمة” التي ستكون نافذة يتنفس منها الفنان والجمهور المتابع، وهي نافذة مزدوجة لكلا الطرفين، لافتاً إلى أن أهم ما يميز الصالة في هذه الفترة هو الاستمرارية في ظل هذه الظروف الصعبة التي نمر بها، ونحن نقلنا نشاطنا من معارض إلى ورشة عمل ستكون منفذاً للفنان والجمهور.
فرصة للفنان
ونوّه كامل إلى أن اختيار الفنانين تم بالاعتماد على مجموعة معايير لا تدخل الشهرة، أو العمر، أو الخبرة ضمنها، أهمها امتلاك الموهبة، والتوجه، والإمكانيات، ووجود أرضية ليظهروا لاحقاً سورياً وعربياً، فنحن نقدم الفرصة للفنان، ونخرج منه الأفضل، ونسلّط الضوء عليه من خلال فترة عمل وإنتاج، ونقدم له كل الدعم، وهناك مجموعة منهم هم فنانو الصالة المتواجدون دائماً، بالإضافة إلى بعض الفنانين المقيمين خارج سورية، فأهم الرواد السوريين أصبحوا خارجها، وعن كون اللوحات منتجاً عن الأزمة، لفت كامل إلى أن الفنان بأي ظرف، سواء في حرب أو سلم، يتأثر بالبيئة، والظروف الراهنة، لذلك ينتقل هذا التأثير إلى لوحته، مع المحافظة على الهوية، والأسلوب، وإضافة مفردات يعيشها، ومن الطبيعي أن تتغير لوحته مع تغير الظروف، لافتاً إلى أن الورشة شاملة لكل أنواع الفن، سواء الواقعي، أو التعبيري، أو النحت، فهي ورشة متنوعة وغنية.
الهدف ثقافي
وطالب كامل بوجود بعض التسهيلات بشحن العمل، ومشاركات الفنانين، فأية مؤسسة تحتاج إلى دعم وتعاون الجهات المسؤولة من أجل سهولة مشاركة الفنانين في معارض، أو مزادات فنية، ورأى أنه من المفروض وجود تعاون ودعم  لعملها الثقافي، مؤكداً أنه في ظل هذه الظروف فإن هدف الصالة ثقافي غير ربحي، لأن المقتني، كما هو معروف، أصبح خارج سورية، ذاكراً أنه في المدى القريب ستتم إقامة معارض في الصالة هي نتاج ورشة العمل.

مشهد ثقافي
وعلى الرغم من أن بعض الصالات تختار نموذجاً معيناً، إلا أن غاليري  كامل لا تنحو هذا المنحى، وهذا ما أكده الفنان فؤاد دحدوح، المشارك الدائم في الورشة، والذي فسّر هذا التوجه بأن هدف الغاليري غير مادي، ولا تهتم بالبيع والتجارة فقط،  فهي تحتضن كل المواهب، وكل الأنواع الفنية، وتقدم مشهداً ثقافياً حقيقياً مختلفاً عما نراه في صالات أخرى بعيداً عن الإملاء والتدخل في تفاصيل اللوحة، مشيراً إلى أن الفنان كان مثقلاً بأتعابه، ويحمل عمله الفني باحثاً عن معارض تستقبله، إلى أن جاء العرض من “غاليري كامل”، مقدماً له المكان، والمواد، والألوان، والتسويق، بالإضافة إلى راتب مادي، وهذا أعطاه حقه، وحوّل الحالة من يرثى لها إلى بريق جميل، ومساحات مفتوحة، وجو تفاعلي قائم على الحميمية والألفة في الغاليري، منذ بداية تأسيسها من قبل صاحبها جورج كامل الذي يعود له الفضل في جعلها مثالية، منوّهاً أنه رغم كل الظروف والتكاليف المالية الكبيرة، وعدم وجود بيع بسبب الحالة العامة، إلا أن الغاليري بقيت مستمرة.
تشاركية جميلة
وعن الفرق بين مرسمه والصالة، نوّه دحدوح بأنه على الرغم من كونه شعر في البداية ببعض الغربة، فبعد أن كان يغرّد منفرداً أصبح محكوماً بتشاركية الغاليري، إلا أنه شعر لاحقاً بألفة جميلة، وغيّر طقوسه لصالح المجموع، وأشار دحدوح إلى أن الفنان الراحل غسان السباعي كان مشاركاً في الورشة، وكان له دور توجيهي وحيوي، ورؤية خاصة، ورحيله كان خسارة كبيرة للفن.
فنان حقيقي
ويركّز الفنان المشارك سمير الصفدي في أعماله على البورتريه واليدين اللتين يتركز ثقلهما في أسفل اللوحة، وقد رأى أن عمله تطور ووصل لمرحلة ربط البورتريه واليدين مع الجسد ككل من خلال تواجده في الورشة التي قدمت له خبرة، واحتكاكاً مع أسماء كبيرة في الساحة التشكيلية، مضيفاً: الغاليري قدمت لي فرصة كبيرة، واحتضنتني، ولأن كل فنان بحاجة لدعم، كانت خير داعم لي، وتعاملت  بصبر دون طلب عدد معين من اللوحات، فالصالة غايتها إنتاج فنان حقيقي، ورأى الصفدي أن أخلاقيات الفنان بداخله تفرض عليه الاستمرار في الورشة، لافتاً إلى وجود مزادات تتم مشاركة أعمالي بها، كما أن معارض لاحقة ستقام وسيتم عرض لوحاتي من خلالها.
حرية وجرأة
أما الفنانة المشاركة رولا أبو صالح التي ترسم رسماً واقعياً بطريقة معاصرة، وباتجاه التجريد، فتميل نحو رسم الأطفال، كيف لا، وهم بسمة الحياة، ورسمهم يسمح باستخدام الألوان الصارخة التي تهواها أبو صالح، كما تهوى التحدي، وتسعى للخروج من الواقعية الكلاسيكية باستخدام ألوان زيت، واكرليك على قماش، مع اللجوء في الخلفيات إلى سكين أو اسفنجة، وقد اعتبرت أن الورشة التي تشارك فيها منذ قرابة العام أضافت لها المزيد من التقنيات الجديدة، وعلى الرغم من بطء أبو صالح في العمل، إلا أنه بفضل الورشة أصبح لديها عدد جيد من اللوحات بسبب المنافسة، والآراء الأخرى، وأضافت أبو صالح بأن جو التفاعلية يمنح جرأة أكثر، وحرية أكبر، ففيها كل شيء متاح، سواء الإنارة، أو المكان، أو خبرات الآخرين، وتمازج الأفكار والآراء، ناهيك عن الأمان الذي أشعر به بين جدران هذه الصالة.
عدوى الفن
ولأن الجو الجميل في الغاليري جعل من لا يرسم  يقدم على فعل الرسم، دفع المشارك في الورشة شادي الديب إلى العمل، حيث بدأ بتجريب الرسم في جو جماعي، فيقول: بحكم تواجدي مع الفنانين، أصبحت أدرك مفاهيم الفن، وأفرّق بين أنواعه، ثم أصبحت أتذوق الفن بطريقة مختلفة، وبعدها بدأت لوحاتي تظهر، وتتجسّد على أرض الواقع.
لوردا فوزي