“ذا فويس كيدز”.. الأطفال بين تقليد الكبار والسعي للنجومية

الأطفال هم البسمة البريئة ومن خلالهم نرى الحياة بسيطة سهلة خالية من المشاكل والهموم، لهم عالمهم الوردي الذي تملأه الأحلام السعيدة، وليس هناك أجمل ولا أروع من مشاكسات الأطفال وحيلهم والحجج التي يقدّمونها للتهرب من شيء ما. انتهى منذ فترة برنامج “ذا فويس” وانطلق بحلة جديدة لاكتشاف مواهب الصغار “ذا فويس كيدز” حيث أثار أحد الأطفال عطف وضحك الجمهور، واستطاع آخر أن يقنع الساهر بأدائه فضغط على زر كرسيه، واستدارت نانسي لآخر، حتى وإن لم يفز إلا طفل واحد باللقب، لكنهم أصبحوا حديث رواد مواقع التواصل الاجتماعي في موسمه الأول.”صغيرة على الغناء”
في الحقيقة ولا أخفيكم سراً أنه عندما سمعت بالبرنامج تخيلت نفسي سعاد حسني في فيلمها “صغيرة على الحب” عندما أراد المخرج “رشدي أباظة” فتاة صغيرة تجسد دور طفلة في فيلمه، وتخيلت نفسي أقوم بما فعلته سعاد حسني، وألبس ثياب أطفال فقط لأرى لجنة التحكيم التي أحبها كثيراً، وفجأة راودني خوف كبير كيف يمكن أن أقف أمام القيصر كاظم الساهر ونانسي عجرم؟ قلت في داخلي صعب جداً، ولم تتجاوز الفكرة خمس دقائق حتى تم إلغاؤها، ولكن بقي سؤال واحد يراودني كيف استطاع هؤلاء الأطفال الوقوف أمام الجمهور ولجنة التحكيم؟.
من المؤكد أن عملية “فتل الكرسي” مختلفة بين برنامج المواهب للكبار والصغار، وفي الحقيقة، يملك الكبير خبرة كافية في الحياة ليستطيع التحكم بمشاعره أثناء الرفض، واليوم في “ذا فويس كيدز” أرى أن المسؤولية تقع على عاتق الأهل ليشرحوا لأولادهم أن الرفض لا يعني الفشل أبداً، وإنما عليهم عدم اليأس والمحاولة عدة مرات. كما فعل الفنان كاظم الساهر عندما روى في إحدى مقابلاته عن حادثة رفضه وهو في السادسة عشرة من عمره بحجة أن صوته لا يصلح للغناء، مما شكل جرحاً عميقاً في قلبه وقتذاك، ولم يشفه إلا جرعة الأمل والقبول من جمهوره فيما بعد، ومن خلال هذه الحادثة دار في ذهني عدة أسئلة: هل مثل هذه البرامج تصلح أن تكون للأطفال؟ وكيف يمكن للطفل أن يتحمل الرفض من قبل فنانين كبار؟ وكيف يمكن إرضاؤه عند رفضه أمام جمهور كبير، وأمام كاميرات ليس من السهولة أبداً الوقوف أمامها.

برنامج للكبار بأصوات صغيرة
في الواقع، تعتبر الطفولة أجمل مراحل الحياة وأعذبها، يعيشها الطفل بمنتهى البراءة والصفاء لا يشغل تفكيره سوى ألعابه ومحيطه، واليوم من خلال التطور التقني وانتشار عالم الميديا بدأت تظهر على الأطفال هموم أكبر بكثير من هموم المشاكسة وإحداها “الشهرة” التي يسعى الطفل اليوم لاكتسابها من خلال برامج المواهب التي تعرض على الفضائيات، وكان للباحثة الموسيقية إلهام أبو السعود، التي لم تتوقف يوماً عن التعامل مع الأطفال حيث قدمت لهم الكثير من الأغاني التربوية والاجتماعية والوطنية وغيرها، رأيها في برنامج “ذا فويس كيدز” إذ قالت:
في البداية، لديّ نقد كبير للبرنامج، فلا يجوز للأطفال أن يغنوا أغاني الكبار، ومن الأفضل أن يستعينوا بأغاني الأطفال، فالطبقات الصوتية المستخدمة أكبر من إمكانياتهم الصوتية بكثير، ويمكنني بهذه الحالة وصف “ذا فويس كيدز” ببرنامج للكبار ولكن بأصوات صغيرة.

تقليد للكبار
وأبدت الملحنة أبو السعود إعجابها بلجنة التحكيم المكونة من الفنانين كاظم الساهر ونانسي عجرم وتامر حسني، وبالأخص نانسي التي تجدها كالأطفال، فالعرض ناجح جداً من وجهة نظرها، لكن في الوقت نفسه تعيب أن تقبل اللجنة هذا الغناء الطفولي. ويبقى لديها العديد من الأسئلة ما هي الفائدة من هذه المقابلة؟، وما هو الفرق بينهم وبين الكبار؟ والجواب يبقى ليس سوى “تقليد للكبار”.

رهبة المسرح
وتضيف أبو السعود: في الواقع، لا يملك الصغير القدرة على التحكم بانفعالاته كما يمتلكها الكبير أمام حشد كبير من الجمهور المتمثل بوجوه غريبة، فالصغير انفعالاته تظهر غالباً بالبكاء، وأتوقع أن الطفلة “غنى بوحمدان” التي بكت على المسرح كانت من شدة خوفها لوقوفها أمام فنانين كبار من جهة، وأمام كاميرات كثيرة من جهة أخرى فالمسرح له هيبته، والكبير يرتجف من شدة الخوف فكيف الصغير؟!.
وتتابع: ردة فعل الشخص الكبير تكون عادة حزينة، وربما يجبر نفسه على عدم البكاء إثر الحكم السلبي من قبل لجنة التحكيم، وأتوقع أنا من خلال خبرتي بعالم الأطفال أن الطفل الذي يُرفض ستتشكل لديه صدمة، ومن المؤكد أنه سيكره الغناء لذلك إذا كان ولا بد من وجود هذا البرنامج أن يكون هناك أطباء اختصاصيون لتدريب اللجنة في كيفية التعامل مع الطفل بعد رفضه وعدم قبوله في البرنامج.

جيل جريء
في النهاية، يبدو أن هذا الجيل الذي وصفه كاظم الساهر في أحد لقاءاته بأنه “جيل خطير” جيل محظوظ، فاليوم من خلال هذه البرامج يمكنهم الوصول إلى أحلامهم التي تعتبر كبيرة بالنسبة لأعمارهم، أما في الماضي فكان الشاب ينتظر الفرصة المناسبة ليبدأ مشواره الطويل، ويصل إلى النجومية والشهرة العالمية، إلا أن “الجيل الخطير” يتمتع بجرأة يحسد عليها.
جمان بركات