ثقافة

إن هو إلا برهان

بشرى الحكيم

لم تدع سموم شائعة الوفاة الفرصة للروائي الكبير رشاد أبو شاور لممارسة القليل من الفرح، إذ أطلقت لسبب ما إثر فوزه بجائزة القدس عن مجمل أعماله، وهي ذاتها التي لم ينج منها الفنان غسان مسعود، حيث انتشرت الأخبار التي تتحدث عن تدهور أوضاعه الصحية، تلاها خبر رحيل كاذب دفع العائلة لتكذيبه سريعاً، بينما تطالعنا شائعة وفاة الروائي الكبير حنا مينه بين الحين والآخر منذ سنوات عديدة، وهي الشائعات ذاتها التي طاولت العديد من الشخصيات العامة، من المطربة صباح إلى الفنان ياسر العظمة، والشاعر مظفر النواب، والعديد سواهم.
والغريب أن هذه الأخبار الملفقة تمتلك دوماً ميزة الانتشار السهل والسريع بمجرد استنادها إلى مصدر معروف من صحف، أو فضائيات، ووسائط اتصال، وشبكات اجتماعية، أو أشخاص مقربين، وهي جميعها تحتمل وجود الغث والمغرض بينها، خصوصاً أننا في زمن التكنولوجيا المخيف، وقد فرضت تلك الاختراعات سيطرة واسعة وتأثيراً طاغياً لا يخفى في المجتمعات على تفاوت واختلاف مستوياتها.
هي الشائعة والدعاية المغرضة التي ما فتئت تعمل طالما يقف خلفها جيش مرتزق من الأفراد والفضائيات وسواها ممن لا تخفى هوياتهم وهواياتهم في تسهيل انتشار الزيف، واستخدام التضليل للوصول إلى غايات لا تخفى على أحد.
ربما مثل ما سبق حالات فردية تحاول النيل من شخص بعينه لغايات فردية، لكن الأمر تعدى الأشخاص في حالة كالتي نعيشها في هذه المرحلة، حالة وصلت فيها حداً من الدناءة، وصغر النفوس من خلال استغلال حالات إنسانية كان الأولى العمل على معالجتها، استخدمت فيها صور ضحايا القتل والحقد، سواء في اليمن، أو العراق، أو حتى ضحايا الجوع الذي يضرب الصومال وغيرها، ووظفت جميعها ونسبت إلى ما يحدث على الأرض السورية، وبالتأكيد لم يحن، ولن يحين الوقت كي ينسى واحدنا الشائعات التي سبقت العدوان على العراق، بينما سيل الأكاذيب الذي يعمل على تغذية ما يجري على أرضنا مازال يداهم أسماعنا، والشاشات على مدار الساعة.
إن هي إلا نوع من الدعاية، مورست وتمارس اليوم، يوظفها من يطلقها كي تخدم وتسهّل أهدافاً سبقهم إليها جنكيزخان عبر رسله ومخبريه، ناشرين القصص والحكايا حول بطولات جيشه وبطش جنوده لبث الذعر والخوف من الوقوف في وجهه، ما سهّل عليه تحقيق غاياته، واحتلاله للعديد من المدن العربية، وما نواجهه اليوم، إن هو إلا وسائل مكشوفة الأهداف والغايات من خلال التضليل، وتحريف الحقائق.
قال أحدهم غامزاً ببراءة أو من دونها: انشري لي سؤالي هذا بالفصحى: “لم على كل الجياع هذه الأيام أن يخلعوا ملابسهم قبل التصوير”؟!.. والسؤال يحتمل العديد من الإجابات، لكنّي على يقين، أنا وهو وأنتم وسوانا، جميعنا لدينا قناعة واحدة، أن التزييف والتضليل الذي يطاول أشخاصاً بعينهم، أو دولاً بعينها، ليس سوى الدليل يضاف إلى غيره، على أن للقاتل وسائله، وللقتل أدواته، وطالما أن للجهل جنوداً يمارسون هواياتهم، سواء بالرصاص الحي، أو الصورة، أو الكلمة، فإن هذا يرتب علينا مسؤولية الوقوف في وجه من ينتمون إلى دواعش الداخل، كما يهود الداخل، هم يبرهنون يوماً بعد يوم أنهم أبناء الموت، بينما نقف في وجههم مثبتين للعالم دوماً أننا أبناء الحياة.