ثقافة

المرأة من جديد

أمينة عباس
إذا كانت عبارة “المرأة نصف المجتمع” عادةً ما تُستخدَم في المناسبات ذات الطابع الاجتماعيّ فإن الدراما السورية جسَّدتها عملياً من خلال سيل من الأعمال التلفزيونية التي شغلت المرأة حيزاً واسعاً فيها، المرأة الأم والزوجة والأخت والحبيبة على الصعيد الاجتماعي، والمرأة المديرة والقائدة والزعيمة على صعيد الفعاليات الاقتصادية والسياسية والتاريخية، والمرأة الحاسدة الحاقدة محيكة المؤامرات في رصد للجوانب السلبية التي قد تتصف بها بعض النساء لا كنساء، إنما كجزء أساسيّ في مجتمع لا يخلو من كافة أصناف السلوك البشري.
وبنفس الوقت تعرضت درامانا التلفزيونية في العديد من مراحلها لانتقادات، مفادها إهمالها للجانب النسائي في العمل الدرامي، وتغليبها للشخصيات الذكورية وجعل العمل التلفزيوني يدور حول هذه الشخصيات وتكريسها كبطلة مطلقة في العمل التلفزيوني. هذه الأعمال افتقدت للمصداقية ولم تتمكن من أن تترك مكاناً لائقاً لها في ذاكرة المتلقي الذي لا يتفاعل إلّا مع تلك الأعمال التي تقدّم واقعه كما هو دون تزييف أو تغليب لعنصر على آخر.
ويُعدّ المخرج نجدت إسماعيل أنزور من أكثر مخرجينا التلفزيونيين طرحاً لقضايا المرأة في أعماله، خاصة تلك التي تناولت موضوع الإرهاب والتكفير، فصوّر كيف تكون المرأة الضحية الأولى للأعمال الإرهابية وللفكر التكفيري كما في أعماله “الحور العين” و”وما ملكت أيمانكم” على سبيل المثال، حيث المرأة هي أكثر من يدفع الأثمان الباهظة من تغلغل الفكر الإرهابي في المجتمع، حيث تصبح الهدف الأول لهذا الفكر في سلوكها وتفكيرها وتعاطيها مع محيطها وتعاطي المحيط معها، وها هو يعود في فيلمه الجديد “فانية وتتبدد” ليقدم المرأة من جديد كركن أساسيّ من أركان المجتمع، لكن هذه المرة في إطار جديد فرضته سيطرة المجموعات الإرهابية، لا على أجزاء من أرض الوطن فحسب، بل وعلى عقول شرائح اجتماعية واسعة، الأمر الذي أدى إلى انتشار هذا الفكر وتحوّله إلى وباء بحاجة إلى استئصال، حتى تعود مجتمعاتنا إلى حالتها الطبيعية التي ميزتها على مدى مئات السنين.
نجدت أنزور في عمله السينمائي الجديد لم يكن حيادياً ولا محابياً، بل كان كعادته صاحب موقف تمكّن من إيصاله من خلال سيناريو محكم وضعته ديانا كمال الدين ومجموعة من الفنانين الذين تألقوا، وتكاتفت جهودهم لتقديم منجَزٍ جديد يُضاف إلى قائمة إنجازاتنا السينمائية التي نعتز بها.