ثقافة

“فانية وتتبدد” بين نبل الرسالة وتواضع المستوى الفني!

يطل الفيلم السوري “فانية وتتبدد” –إخراج نجدة إسماعيل أنزور وسيناريو وحوار ديانا كمال الدين، ومن إنتاج المؤسسة العامة للسينما بالتعاون مع مؤسسة أنزور للإنتاج الفني، والذي انطلقت عروضه الجماهيرية التي نظمتها شركة “سيريتيل” في دار الأسد للفنون بدمشق في اليوم عينه الذي انطلقت بها مفاوضات جنيف3، يطل على مقطع عرضي من حياة  التنظيم الإرهابي “داعش” الذي بات يمتلك شهرة عالمية منقطعة النظير، وذلك من خلال مجريات الحياة الاجتماعية لأسرة سورية، تعيش في إحدى المناطق التي احتلها هذا التنظيم التكفيري، حيث ستبدأ الحكاية من عند “ثريا” –أدت دورها الفنانة رنا شميس- وهي سيدة سورية تعمل في مهنة التعليم وأم لجندي عربي سوري يُقاتل في واحدة من التشكيلات العسكرية المقاتلة-أدى دوره الفنان علي بوشناق- ولنور الطفلة التي ستكون عيناها الخضراء، شاهدة حقيقة على وحشية ما يرتكبه هذا التنظيم الإرهابي بحق الناس باسم الدين، أدت دورها الطفلة “أيمي فرح”.
يبدأ الفيلم بمنازلة فكرية حول آلية فهم الأم “ثريا” والتي ترمز هنا إلى سورية، للدين الإسلامي الحنيف القائم على المسامحة والمحبة والعدالة الإنسانية، وبيّن المنهج التكفيري الذي تُشرعن من خلاله تلك الجماعات الإرهابية إجرامها بحق الناس، استناداً على الفهم الخاطئ للإسلام، فسيكون الرد على كل آية قرآنية أو حديث نبوي تدلي بها ثريا، بآية قرآنية أيضاً وحديث نبوي يدلي به أحد أفراد التنظيم سواء الأمير –فايز قزق-أو أبو جنادة-عروة “مجد فضة” وأيضاً أم حسين “رباب مرهج” والمعلمة أم ياسين “هناء نصور” التي تُصبح من مدرسات الدين الوهابي للأطفال في المدرسة ذاتها التي تعمل فيها ثريا، وبين المعلمتين سيكون هذا النزال القائم على المحاججة الدينية هو الأهم برأيي الشخصي بما طرحه “فانية وتتبدد” ويطل عليه هذا النقاش من فهم متناقض للدين، وما ينسحب عليه في التعامل مع الناس سواء كانوا من نفس الدين أو من غيره، ففي حين هو عند ثريا دين محبة ويسر وتكافل، هو عند أم ياسين دين قسوة ونار وقتل، وهذا النزال، الذي بدأ به “أنزور” القصة  في مجمله، إسقاط على الراهن السوري، الذي ظهر به تطرف ديني فاجأ الناس وأذهلهم.
“فانية وتتبدد” من الأفلام التي تنتمي لفئة “اجتماعي –حروب”، وهذه الفئة تُعتبر من أهم الفئات التي ظهرت بها العديد من الأفلام ذات الطبيعة الدعائية “البروباغندا”، ولعل أشهرها على الإطلاق الفيلم اليوغسلافي (تحت الأرض- Underground ) لمخرجه الحائز على السعفة الذهبية في كان 1995 البوسني (أمير كوستاريكا)، حيث يحمل “فانية وتتبدد” على عاتقه هماً ثقافياً وإنسانياً معاً، في تظهير الوجه القميء والمجرم لهذا التنظيم، الذي تُعتبر أفلامه السينمائية التي بثها إلى العالم، من أهم عوامل قدرته على جذب الكثير من الأشخاص إلى صفه بغاية تجنيدهم كمقاتلين عالميين، حيث يؤكد العديد من الخبراء السينمائيين والمشتغلين في عالم الميديا،أن الأفلام التي كان “داعش”يبثها على الشابكة الالكترونية، هي على قسوة وإجرام محتواها، مشغولة بعناية بالغة وبحرفية عالية وتقنيات لا توجد إلّا في أهم شركات الإنتاج العالمية، وبالتالي فإن مجابهتها سينمائياً أيضاً سيتوجب عليها أن تقدم في فرجتها، إن كان في القصة أو أداء الممثلين أو في طبيعة الشخصيات أو في التقنيات المستخدمة، ما يتفوق على إعلام “داعش” وإلّا فإن هذه المواجهة لن تكون إلّا وثيقة بصرية ضعيفة أمام ما يقابلها من عشرات الأفلام المعمولة بدقة عالية في مختبرات هوليوود ربما لصالح “داعش”.
سوية الفيلم الفنية جاءت متواضعة وفيها العديد من الهفوات التي لا أعلم كيف فاتت مخرجاً قديراً كـ “أنزور”، بداية من المزاج اللوني العام للفيلم المائل إلى الأصفر الدافئ والذي يلائم عادة أفلام الرومانس، مروراً بالحبكة الضعيفة والحلول السهلة وحتى في أداء الممثلين المتراخي والذي أصاب الجمهور بشيء من الملل، وهذا عائد إلى طبيعة السيناريو الذي اعتمد منطق القص الأرسطي”بداية- ذروة- نهاية” إلّا أن المجريات  جاءت هشة وفيها الكثير من الاستسهال والتناقض، فبينما يظهر الفيلم قوة التنظيم وتماسكه وسطوته على الناس، نراه فجأة ينهار ويفر أميره متنكراً بزي النساء، بعد أن ينشق أحد أفراده “عروة” لينسق مع الجيش ومع جبهة النصرة التكفيرية- العدو الذي لا يقل إرهاباً عن داعش- لمحاربة داعش، مستغلين الانشغال الساذج لأفراد التنظيم وأميرهم بزواجه من طفلة ابنة عشر سنوات بعد أن أغرم بقدميها عندما رآهما وهي تقفز فوق بركة ماء كي لا تُصاب بالبلل، حيث سيطلب بداية الجندي الذي يتواصل مع أمه على الهاتف بين الحين والآخر من قادته العسكريين، نقله إلى جبهة قتال قريبة من مكان تواجد أمه وأخته ليساهم في تحريرهما، ثم سيتواصل عبر بعض الجيران الطيبين “بسام لطفي – حسام عيد- أمية ملص” مع “أبو دجانة” الداعشي المنشق الذي لم ينس العشرة والجيرة، ويتم الهجوم على مقر داعش وقتلهم، وبقدرة قادر أيضاً سيُقتل  إرهابيو النصرة!.  في واحد من المشاهد الأهم يجتمع الجنود قبل الذهاب إلى المعركة، ليدور الحوار التالي بينهم، حول ما هو الهدف الذي لأجله يقاتلون، ففي حين نسمع العديد من الأجوبة التي نسمعها عادة من الناس، سواء ذاك الذي يقول: إنه يدافع عن أهله ومن يدافع عم ممتلكاته ومن يدافع عن دينه، يظهر الصوت الذي يدعو الجميع إلى التفكير، بأن أهم ما يجب الدفاع عنه أولاً وقبل كل شيء هو الوطن، فالوطن إذا ذهب، ذهبت العائلة والبيت والعمل والدين.
“فانية وتتبدد” برسالته النبيلة والذي كان يعوّل عليه بوجود مخرج قدير، أن يقدم ما لم يقله الأعلام وشاشات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي، جاء مباشراً جداً، وكأنه تجميع للعديد من القصص التي يتناقلها الناس عن هذا التنظيم الإرهابي، مع جرعة عالية من التركيز على مخاطبة الرأي العام العالمي من خلال إسقاطات دينية لم تخدم الفيلم برأيي، كما حدث مع العائلة المسيحية التي تحيا في المنطقة ذاتها، والتي يذهب رب بيتها”حسام عيد” ليعلن إسلامه بين عناصر التنظيم، من أجل تأمين سبل العيش، في الوقت الذي شاهدنا فيه هذا النقاش يجري بين العائلة التي تتعرض لمضايقات عدة، على سفرة طعام منوعة، لا في حالة جوع شديدة أو ظلم شديد اضطر رجلها لفعل ما فعل.
تمام علي بركات